الثلاثاء، 29 يوليو 2008

عم جابر


منذ أسبوع مضى ، ذهبت مع بعض أصدقائى الى حفل زفاف أخت صديقنا عماد ، بارك الله لها ولزوجها وبارك عليهما وجمع بينهما فى خير ، كان الحفل فى مدينة طنطا ، واستمر حتى ساعة متأخرة من الليل ، مما اضطرنا الى ان نستأذن عماد فى السماح لنا بالمغادرة قبل انتهاء الحفل ، غادرنا متجهين الى الموقف ، وفوجئنا بأن الموقف خالى تماما من السيارت سوى من سيارة واحدة ، سألنا السائق عن وجهته فأخبرنا انه متجه الى زفتى . وكما يقول المثل " نص العمى ولا العمى كله " ، ركبنا السيارة وجلسنا فى المقعد الخلفى والذى يسبقه وجلسنا ننتظر الركاب، بعد مرور حوالى ربع الساعة ، امتلأت السيارة عن آخرها ، وانطلقنا ، كان معظم ركاب السيارة متجهين الى قرى قبل زفتى بكثير ، ماعدا رجل واحد كانت وجهته الى زفتى مثلنا ، وعرفنا بعدها أنه من بلدنا ، هذا الرجل إسمه عم جابر .
عم جابر رجل متوسط القامة ، ذو صوت أجش ، مظهره ليس بالجيد إطلاقا ، فقد عرفنا منه أنه صاحب ورشة ، باختصار رجل إذا شاهدته فى الشارع لن يلفت انتباهك إطلاقا ، وأعتقد أن انطباعى الاول عنه أنه رجل جاهل لا يستخدم عقله الا نادرا ، فعادة أصحاب الورش يحكمون مبدأ الذراع فى كل شيئ فى الحياة ، وأكد انطباعى هذا نبرة صوته التى يشوبها بعض الحشرجة ، وطريقة كلامه التى تشبه بعض الشيئ طريقة اللمبى ، لدرجة اننى كنت أكتم ضحكات كانت ترجونى ان أطلق لها العنان لتخرج ، واستمريت انا واصدقائى فى النظر لبعضنا البعض متحدثين بلغة العيون حتى لا نسبب لانفسنا المشاكل ، المهم ان ركاب السيارة بدأوا فى النزول فى الطريق الواحد تلو الآخر ، حتى أصبحنا نحن وعم جابر فقط فى السيارة ، وهنا بدأ الحوار بيننا وبينه ، وبدأ الانطباع الاولى يتغير شيئا فشيئا ، كانت بداية الحوار سؤاله لنا أين كنا؟ فأخبرناه عن قصتنا ، فأخبرنا أنه لديه أولاد فى مثل عمرنا وهم متعلمون ويذهبون الى الافراح أيضا ، أطلقت ضحكة قصيرة ، فأنا لا أفهم ماعلاقة التعليم بالذهاب الى الافراح ، المهم أننا تحدثنا فى حوارات كثيرة ، وفوجئت شخصيا بهذا الرجل وطريقة تفكيره ورؤيته لكل ما يحدث حولنا ، وفكره المنظم الراقى ، كلما طرحنا موضوعا وجدناه يحدثنا فيه ، أيا كانت نوعية هذا الموضوع ، صحيح ان طريقة كلامه كانت تفسد علينا بعضا من الاستمتاع بالحديث ، الا اننا مع الوقت تعودنا عليها ، استمرينا فى الحديث حتى وصلنا الى زفتى ونزلنا من السيارة ومشينا وعم جابر يرافقنا ، وهو لايكف عن الحديث ، وأخذ يحكى لنا بعضا من القصص التى حدثت معه أو مع أبنائه ، واستمر الحديث المشوق الى ان وصلنا الى بلدنا ، حينها اكتشفت ان طريق الرجل الى بيته هو نفس طريقى ، بينما طريق أصدقائى مختلف عنا ، فسلمت عليهم وودعتهم ، ومشيت أنا وعم جابر وحدنا ، وهنا بدأ يحدثنى عن الطريقة التى ربى بها أبنائه
يقول لى أنه عندما كان أبناؤه صغار كان يأخذهم فى الأجازة معه الورشة ، يعلمهم الصنعة ، ويقسو عليهم قسوة شديدة ، حتى يجعل الورشة أشبه بالجحيم بالنسبة اليهم ، سألته لكن لماذا ؟ قال لى لسببين ، السبب الاول هو انه عندما تبدأ الدراسة أقول لهم أيهما أفضل الدراسة أما ما ترونه فى الورشة ، فنجحت بذلك أن أحببهم فى الورقة والقلم لانهم كانوا يرونه أهون بكثير مما يواجهونه فى جحيم الأجازة ، السبب الثانى هو ان أعلمهم الصنعة حتى إذا تخرجوا من كلياتهم ولم يقدر الله لهم فرصة عمل فى مجالهم ، يكونوا أصحاب صنعة تغنيهم عن البطالة والسؤال ، الى ان ييسر الله لهم الحال ويجدوا عمل يناسب مجالهم
سألته إن كان قد نجح فى مخططه هذا ، فأخبرنى أنه لديه ابن مهندس وبنت محامية وابن تخرج من كلية الحاسبات والمعلومات ، وان ابنه المهندس لم يجد حتى الان فرصة عمل الا انه يعمل معه فى الورشة الى ان ييسر الله له .
ثم أخبرنى عن شيئ آخر فى تربيته لابنائه ، وهى أنه أخذ ابنائه الى النادى الرياضى ، وجعلهم يشاهدون كل الالعاب التى تلعب ويختاروا اللعبة التى يحبونها ، ثم يشترك لهم فى النادى ويجعلهم يمارسونها لانها هى الطريقة الوحيدة التى ستحميهم من التدخين والادمان والانحراف عموما ، وهو الان لديه ابن حاصل على بطولة الجمهورية فى الكونغ فو ، وأخذ جائزة أحسن لاعب فى مصر فى هذه اللعبة .
أما الشيء الثالث الذى أخبرنى إياه ، هوأنه كان حريصا على ان يصاحب ابنائه منذ صغرهم ، حتى أصبح صديقا لهم قبل أن يكون أبا لهم ، وهو يعرف كل أصدقائهم ، وعندما يقع أى من أبنائه فى مشكلة ، فإن أول من يخبرونه بها هو والدهم .
وحينها ، وصلت الى منزلى ، فاضطررت الى انهاء هذا الحديث الشيق ، وسلمت عليه مخبرا إياه بكم سعادتى بتعرفى عليه ،وصعدت الى البيت وانا أردد فى ذهنى

" إياك أن تحكم على أحد من مظهره ثانية "

هناك 20 تعليقًا:

Mero.. يقول...

جميل عزيزي عبد الرحمن
وان كنت اثق عادة في حكمي الاول لكن الانسان يقابل اشخاصا مختلفين مبهرين حقا..
جميل ايضا ان نستفيد من شخص قد يكون اقل منا اجتماعيا وعلميا ..
دمت سالما عزيزي ..
اراك على خير ان شاء الله :)

غير معرف يقول...

معاك حق احنا قابلنا ناس بالمنظر ده ياما بس المفروض انك ما تديش العنان لاي حد يا عبدو يعني افرض خدك الشارع الجديد وقلبك منطرك هيبقي وحش ..ههههه

semsem يقول...

لو اقلك استمتعت بالقصه اد ايه مش هتصدق
عرض مشوق وجميل
وعبره اجمل
جزاك الله خيرا يا عبد الرحمن

ام يحيي يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
ام يحيي يقول...

حين تكون الوسيلة الوحيدة لحكمنا علي

الامور هي أعيننا .. فستدهشنا كمية

الصدمات التي نتلقاها


جزاك الله خيرا .. أسلوب مشوق

Ghada , Rofayda يقول...

ما شاء الله ,

طريقه تفكير جميله جدا , و علمتني حاجه يا اخي عبد الرحمن , ان من يكبرني سنا لابد ان له من الخبره ما هو اكثر مني حتي اذا كنت ذو معرفه و علم وما الي ذلك .

تحياتي علي التدوينه المفيده

جهاد خالد يقول...

أنحني لعم جابر احتراما وإكبارا وإجلالا

وأنطوي على نفسي خجلا من جهلي

وان بدا في مظهري (بعض) علم

!!


تتحفنا دائما

بوركت

نونو يقول...

عرضك مشوق جدااااااا
بس فعلا انا من نوع اللى بحكم من اول وهلة
ودة غلط بس اكييد هتغير بحاول

emad.algendy يقول...

عزيزي عبدالرحمن
اولا اللهم امين
ثانيا كنت منور الفرح سعدت بتواجدكم
ثالثا:تحياتي لعم جابر
بعض البشر يكسبهم اسلوب حياتهم او مهنهم مظهر عام لمهنته لايمكن ان نعكسه ابدا على جوهره عم جابر قد يكون افضل من مئة طبيب بتربية اولاده
تحياتي مرة اخرى لعم جابر
دمت بخير

غير معرف يقول...

السلام عليكم.انا اليوم اريد ان اعلق بشكل مختلف قليلا . اريد ان اوثق هذا المبدأ يا عبدالرحمن من سيرة الصحابة والتابعين وحتى من الجاهلية.واريد ان ازيد في ان حكمك على الناس بعينك من اول نظرة يدخلك في دائرة الظن وما اخيبها من دائرة.تذكر كيف تعامل ابرهة الاشرم مع عبدالمطلب في عام الفيل وماذا قال له عندما علم انه قد اتاه راجيا ان يعيد اليه ابله قال:عندما رايتك اول مرةاكبرتك اما بعد ان تكلمت فقد سقطت من نظري ويكفيني ان حتى ابرهة ذاك الذي قيل عنه ان كان داهية وقع في هذا.
سيدنا عمر بن الخطاب ايضا عندما وجد رجلا من الصحابة يأكل بشماله فلكزة ونهاه وامره ثم عاد مرة اخرى فوجده ياكل بنفس اليد فعلاه بالدرة ثم جاء المرة الثالثة فقبل ان يضربه اظهر الصحابي يمينه لامير المؤمنين فإذا بها قطعت في غزوة بدر فبكى بكاء شديدا وانب نفسه تأنيبا كبيرا.
الامام الحسن البصري رحمه الله(على مااذكر)كان جالسا في مجلس علمه ممدا قدمه حتى دخل رجل عليه اثار النعمة والإكبار فارجع الإمام قدمه احتراما فهو لايدري من ذاك لعله اعلم منه حتى تكلم الرجل وسال سؤالا ليس بسؤال عالم ولا مكبر فمد الإمام قدمه مرة اخرى.
يعني مش انت لوحدك يا معلم بس خد بالك لان دي مشكلة ممكن تكبر معانا بالذات مثلا في حاجات حيوية زي اختيار شريكة حياتك مثلا(امين يارب)او شريك في عملك.
ربنا يبارك فيك يا حاج.

Abd Al-Rahman يقول...

صديقى مراد
معك حق فى ان هناك أشخاص يبهرونا حقا ، جميل أن تثق فى حكمك الاول ، لكن الاجمل ان تتيحل نفسك افتراضية ان تخطأ
دمت بخير

Abd Al-Rahman يقول...

عمر باشا
هو انت هتقضيها فضايح على المدونة، استر على نفسك يابنى وماتشمتش الخلق فينا
شارع جديد ايه بس وتثبيت ايه ، هههههههههه
دمت لى أخا صغيرا كبيرا

Abd Al-Rahman يقول...

أختى سمسم
دايما تعليقاتك بتحرجنى
ربنا يكرمك ويحفظك
شكرا على المرور والتعليق
تحياتى

Abd Al-Rahman يقول...

أم يحيى
جميل ماقلتيه ، فهو لخص ما أردت ان أوضحه من خلال مقالى
دمتى بخير
تحياتى

Abd Al-Rahman يقول...

غادة & رفيدة
منورين المدونة ، وجميل أوى الاستفادة اللى حضرتك طلعتيها من الموقف
دمتم فى أمان وسعادة
تحياتى

Abd Al-Rahman يقول...

النجمة الصامدة
انحنى خجلا أيضا معك واسال الله لى ولك ان يزيدنا علما اللهم آمين
تحياتى
دمتى صامدة

Abd Al-Rahman يقول...

نونو
سعيد بتواجدك فى المدونة ، أعتقد أنها المرة الاولى ، واتمنى ألا تكون الأخيرة
أؤيدك فى محاولة تغيير عادة الحكم من أول وهلة
تحياتى

Abd Al-Rahman يقول...

صديقى العزيز عماد
سعيد جدا بعودتك من جديد ،أسال الله عز وجل لك التوفيق والسداد فى الدنيا والآخرة
وان كنت انت سعدت بتواجدنا ، فأنا سعدت أكثر بتلبيتى دعوتك الكريمة
وعقبال لما أجيلك وانت فى الكوشة
تحياتى الحارة
دمت لى أخا

Abd Al-Rahman يقول...

أخى الأكبر محمد
واضح ان المواضيع كلها عندك بتصب فى الآخر فى موضوع واحد بس ، شريكة حياة ايه بس ياعم ،ههههههههه
طب الهى ياشيخ ربنا يرزقك ببنت الحلال فى أقرب وقت ، يلا ياعم إبسط دعوة على مزاجك اهو
تعليق قوى كالعادة
دمت بخير

غير معرف يقول...

يا بختك يا عم جابر