السبت، 26 أبريل 2008

عقدة الخواجة

منذ حوالى أسبوعين وعند عودتى من الكلية ركب معى فى الميكروباص 4 فتيات فى العشرينيات من عمرهن ، لم يلفتن انتباهى على الاطلاق فى البداية ،فأنا كنت فى حالة صحية ونفسية لاتسمح لى بأن أركز مع أحد أيا كان ، لكن بمجرد انطلاقنا حدث مالم أتوقعه ، فقد بدأت إحداهن بالتحدث معهن باللغة الانجليزية ، كتمت ضحكة كادت ان تخرج منى ، لكنى فوجئت أكثر عندما ردت عليها أخرى بالانجليزية أيضا ، ومن ثم اشتركت الفتاتان المتبقيتان معهما فى الحديث ، واستمر الحديث المشوق الذى كان سببا فى اصابتى بالصداع الشديد ، تخيل أنت معى ماذا سيكون شعورك عندما تجد نفسك مضطرا الى سماع فتيات مصريات – أعتقد أنهن من زفتى – يتحدثن باللغة الانجليزية ، بالطبع لا أقصد التقليل من شأن أهل زفتى لكنى فقط أريد أن أوضح ان هؤلاء الفتيات من بلدة تميل الى الريفية أكثر منها الى المدنية ، المهم اننى شعرت باختناق شديد ، حاولت النوم فلم أستطع ، حاولت انهاء وردى من القراءة فعجزت ، فسلمت أمرى لقدر الله واضطررت للجلوس بلا هدف ، فقط استمع الى مثرثرات لا يكفيهن ان الناس يكرهن الثرثرة ان كانت بالعربية ، فقرروا أن يثرثرن بالانجليزية ، وياليتها كانت انجليزية ، أعتقد أنها كانت لغة مستحدثة لانى سمعت كلمات شبيهة بعض الشيئ بالكلمات التى تعلمتها فى الكورسات ، لكنها بعيدة كل البعد عن كلمات الانجليزية ، المهم اننى استطعت فهم بعضا مما يقولون ، واسترعى انتباهى بشدة انهن كن يعتقدن ان كل من فى الميكروباص أميين لا يفقهون شيئا فى الانجليزية ، فبدأن فى التحدث عنا على أساس اننا لن نفهم مايقولون ، فواحدة تقول ان السائق سيلقى بهن من النافذة والاخرى تقول عنى انى متضايق من حديثهن فمن الافضل ان يصمتن ، كل هذا وانا أكتم فى نفسى ضحكة تكاد أن تفجر أمعائى الدقيقة والغليظة معا ، والجميل انهن بعد ان يقلن بعضا من أشباه الجمل يدخلن فى دوامة من الضحك المميت وكاننا جالسون فى المسرح القومى للعرائس ، ثم فوجئت بأن إحداهن تخبر الأخريات انها تتقن اللغة الفرنسية أيضا ، لم أستطع تمالك نفسى هذه المرة وخفت على أمعائى فأخرجت ضحكة عفوية حاولت أن أداريها بالتظاهر بالكحة تارة وإخفاء وجهى فى كتابى تارة أخرى ، بالطبع سبب ضحكتى هو أن هذه الشابة الخارقة التى سميتها سوبر مان لا تستطيع التحدث بالانجليزية أصلا فما بالك بالفرنسية ، المهم انهن دخلن فى كثير من المواضيع الشائكة والحيوية واغتبن بعضا من زملائهن على أساس أن الغيبة بالانجليزية لا تعد غيبة ، اقتربنا من الساعة الا الربع ويبقى الحال على ما هو عليه حتى وجدت الشاب الذى يجلس بجوارى والذى كان متأفف طوال الطريق يصيح فجأة وبعلو صوته:" على جنب يا أسطى " ، قالها الشاب بلهجة أشبه بلهجة جندى لا يصدق أنه نجا من معركة هزم فيها كل جيشه، أوقف السائق السيارة ونزل الشاب ، نظرت الى الشاب وهو فى طريقه الى بيته ولسان حالى يقول له يالحظك السعيد ، أخذت أدعو الله أن يقصر الطريق حتى لا أقدم على تصرف قد أندم عليه بعد ذلك ، لكن فرج الله اقترب ، وكما يقولون ان اول الغيث قطرة ، فقد انسحبت إحداهن من المحادثة معللة انها ملت من الحديث ، ثم قلدتها أخرى وانسحبت ، لكن ظل إثنتين منهما باقيتان على العهد، صامدتان على طريق تصديع رأسنا ، حتى اقتربنا من الوصول ، وهنا قالت الفتاة السوبر مان القشة التى قصمت ظهر البعير ، " نريد أن نفعل هذا كل يوم حتى نطور من لغتنا " ، أردت أن أصيح بأعلى صوتى " أبوس إيديكى ورجليكى كفاية " " والله العظيم حرمت " " حرام عليكى ده الظلم وحش " " ايه يا حاجة انتى ماعندكيش اخوات صغيرين" ...... أردت أن أقول لهن أشياء كثيرة لكننى آثرت السكوت ، فطالما اننى صمدت كل هذه المسافة ، لاداعى لان أخرج عن شعورى فى هذه الدقائق المعدودات ، " على جنب يا أسطى " قالتها إحداهن ، فتنفست الصعداء وأردت ان أسجد لله شكرا كما يفعل أبو تريكة عندما يحرز هدفا ، لكن المكان فى الميكروباص لم يسمح ، رأيتهن ينزلن واحدة تلو الأخرى وانا أنظر اليهن نظرة المظلوم لظالمه ، ولسان حالى يقول " أشوف فيكو يوم يا بعدة "
وبعد هذا الفاصل الكوميدى التراجيدى ، أنعم الله على ببعض الهدوء جعلنى أفكر فى الموقف كاملا ، وحزنت كثيرا ، لأنى توصلت الى اننا نفقد هويتنا شيئا فشيئا ، واننا أصبحنا نتفاخر بلغة أعدائنا ، انا لست ضد تعلم الانجليزية او التحدث بها ، لكننى ضد أن تكون هى وسام فخر لمتحدثها ، وان يصبح كل من أراد أن يصبح متحضرا أن يتحدث بها ، انا مع ان نتعلمها من باب " من تعلم لغة قوم أمن مكرهم " ، لكننى ضد أن تصبح مصطلحاتها هى الاكثر شيوعا بيننا ، ون تصبح أحرفها هى الاكثر استخداما ، لدرجة اننا نكتب العربية بحروف انجليزية ، انها حقا مهزلة ، بل انها كارثة .
علينا ان نؤمن بأن لغتنا هى هويتنا فإن فقدناها فقد فقدنا أنفسنا معها ، وإن فقدنا أنفسنا فالموت أهون لنا
فهلا أخوتى نحفظ هويتنا ، هلا نخلص أنفسنا من هذه العقدة اللعينة ... "عقدة الخواجة"

الأربعاء، 23 أبريل 2008

فضفضة ... بما ان النجمة لبستنى تاج

انتهى حداد المدونين على الاحكام الظالمة التى منى بها علمائنا واساتذتنا وشرفاء وطننا من محكمة عسكرية قذرة فى وطن يجيد التفريط فى كنوزه ولا يجيد شيئا غير ذلك ، فلا نملك الا ان نقول حسبنا الله ونعم الوكيل فى الظالمين . ولن نياس بإذن الله لان الله كتب على كل ظلام ان يعقبه نور ، ونور حريتنا اقترب وظلام استبدادهم فى طريقه الى الزوال.
~~~~~~~~~~~~
جائنى تاج من أختى الفاضلة النجمة الصامدة وحقيقة انا لا أعلم ماتعنيه كلمة تاج ، لا أقصد الممقصود منها بل أقصد معنى الكلمة فى حد ذاتها ، المهم ان هذا التاج يقول " أكتب عشر أشياء عن نفسك ؟" ، طبعا هو طلب غاية فى الصعوبة لان عشر أشياء عدد قليل جدا جدا لاتحدث فيها عن نفسى ، المهم انى ساحاول والله المستعان .
~~~~~~~~~~~
1) إنسان مسلم أعتز بدينى الى أبعد الحدود ، وأفخر بكونى مسلما ،لكنى فى نفس الوقت أحترم كل أصحاب الديانات الاخرى وأحرص على معاملتهم معاملة طيبة لانى أتعامل بدينى ، ودينى أمرنى ان أحسن اليهم ، لذلك تربطنى علاقات جيدة بكثير من النصارى ، ماعدا الواد مينا اللى معانا فى الكلية ، لا أطيقه ، ليس لانه نصرانى ولكن لانه شخصية سيئة جدا .
~~~~~~~~~
2) أحد أبناء جماعة الاخوان المسلمين وأتشرف بكونى فردا فى هذه الجماعة المباركة التى علمتنى ان أحب بلا شروط وان أخدم غيرى بلا حدود ، وعلمتنى ان أتقبل رأى غيرى مهما كان مختلفا معى ، وعلمتنى ان المسلم الحق عفيف اللسان حتى مع عدوه ، علمتنى ان أسمى علافة تربط بنى البشر بعضهم ببعض هى الحب فى الله ، علمتنى ان طريق الدعوة الى الله عز وجل مملوء بالاشواك ، وان من اختاره الله لدعوته عليه أن يعلم انه سيتهم فى عرضه ودينه ومبادئه وأخلاقه ، وانه سيعتقل وسيعذب وليس مستبعدا ان يقتل ، لكن الجزاء يستحق هذا العناء ، إنه الجنة ، علمتنى أن السبيل الوحيد لاصلاح مصر هو الطريق السلمى وان العنف غير وارد فى منهجنا ، علمتنى ان :
الله غايتنا ، والرسول زعيمنا ، والقران دستورنا ، والجهاد سبيلنا ، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا
~~~~~~~~~
3) طالب بكلية طب الاسنان ، لكن حقيقة لم يكن هذا طموحى ، فطموحى كان أن التحق بكلية الطب البشرى واتخصص فى قسم طب وجراحة العيون حتى أسير على خطى والدى العزيز ، لكن الله قدر لى شيئا آخر ، وحدثت لى أشياء عجيبة فى الثانوية العامة كلما تذكرتها حمدت الله على نعمته ، فالله قدر لى ان التحق بكلية طب الاسنان التى اكتشفت بعد ذلك أنها أفضل كلية فى مصر وانها أفضل من الطب البشرى بمراحل طبعا من وجهة نظرى الشخصية ، حتى لا يهدر طلاب الطب دمى .
~~~~~~~~~~
4) أحترم المرأة جدا ، ومؤمن تماما بأنها جوهرة لابد أن نحافظ عليها ونقدرها ، لذلك فإن قلبى يعتصر ألما عندما أراهن كاسيات عاريات سواء فى الشارع أو فى التلفاز أو فى أى مكان ، لانى أشعر حينها أن تلك الجوهرة الثمينة ألقت بنفسها فى مزبلة الحيوانية وانها تهوى بنفسها فى قاع سحيق أعده لهن أعدائنا، وأفرح جدا عندما أرى أخواتى وهن متزينات بحجابهن محتشمات بملابسهن لانى أدرك ساعتها انها أدركت قيمتها وأعطت لنفسها قدرها ، بس بغض بصرى طبعا ، هههههههه
~~~~~~~~~
5) شخص اجتماعى جدا ، والسبب فى ذلك هو الجرأة التى حبانى الله بها والتى تدفعنى دفعا نحو التعرف بالأغراب دون التفكير فى عواقب ذلك ، لذلك فبفضل الله معارفى كثر، لكن أصدقائى قليلون ، وذلك لانى أنتقى الصديق بعناية فائقة .
~~~~~~~~~~~
6) أعشق الهدوء والتأمل ، لانى أشعر فى زخم الحياة ومشاغلها انى افقد نفسى وروحى وانى أستهلك كلية فى هذه الساقية التى لاتنتهى ، لذلك فانى أتوقف فى كثير من الاحيان وأفصل نفسى عن كل تلك الهموم واختار لنفسى مكانا هادئا أجلس فيه ، أفكر وأتامل ، وأشعر بعد جلسة الصفاء هذه انى عدت انسانا مرة أخرى .
~~~~~~~~~~
7) أكره وامقت وأبغض الواقع المتدنى الذى وصلت اليه مصر من استبداد وتخلف على جميع المستويات وفقر مدقع ، واتحرق حزنا عندما أرى معاناة شعبنا الذى أصبح إيجاد مواصلة توصله الى بيته هى أسمى امانيه والحصول على بعض أرغفة الخبز المعفن مسألة تستحق الموت من أجلها ، فى الوقت الذى ينهب فيه بعض اللصوص مليارات الجنيهات سواء من احتكار أو تزوير أو رشوة .
لكن كرهى هذا كره ايجابى لانه يدفعنى الى محاولة الاصلاح ، لا أقول ان باستطاعتى اصلاح الكون ، لكن أقول ان باستطاعتى اصلاح نفسى ودائرة معارفى ومحاولة توسيع الدائرة الى ان يأتى فرج الله لاننا كما تعلمنا ان الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم ، كما انى أضع نصب عينى أنه ان قدر الله لنا الحياة فنحن- جيل الشباب – من سنكون فى وضع المسئولية بعد عشرين عاما ، وسيكون معظم هؤلاء الطواغيت قد واراهم التراب ، فإن أصلحنا أنفسنا من الآن سنكون نحن التغيير بإذن الله ، والحمد لله رب العالمين بدأت فى بعض المشاريع التى ستحقق بإذن الله هذا الهدف المنشود ، والله الموفق.
~~~~~~~~~~~
8) هواياتى المفضلة : القراءة ، كتابة القصص والشعر ، كرة القدم ، تنس الطاولة ، مشاهدة الافلام الاجنبية الهادفة بالطبع ، متباعة البرامج الاجنبية الحوارية وخصوصا برنامج د.فيل .
~~~~~~~~~~~
9) لى شخصيتان : الاولى شخصية مرحة أحب المرح والمزاح والفكاهة ، والثانية شخصية صارمة جدا آخذ كل شيئ على محمل الجد ولا أقبل المزاح على الاطلاق ، لكن للتوضيح ، الشخصية الاولى هى الشخصية الغالبة لكن الثانية عندما أكون فى عمل أو فى وضع المسئولية .
~~~~~~~~~~~
10 ) واخيرا ..... مع انى كنت انوى كتابتها فى البداية الا انى آثرت ان أبقيها للختام حتى يكون ختامه مسك .
أتطلع وبشدة الى اليوم الذى سيكرمنى الله فيه بالزواج ، واسأل الله فى كل دعواتى ان يرزقنى الزوجة الصالحة ، ولا أخفيكم سرا فانى أسال الله دوما أن يقرب هذا اليوم ، لانى أرغب فى الاستقرار والراحة النفسية ، وأحلم دوما بتكوين أسرة مسلمة صالحة ، لذلك فباختصار شديد ولكن ليكن سرا بينى وبينكم ، الزواج المبكر أحد مخططاتى فى الحياة . وفقنى الله لما فيه خير
~~~~~~~~~~~~
آسف على الاطالة
وبالطبع أمرر هذا التاج لأصدقائى :
عماد
http://nooornoor.blogspot.com/
مراد
http://meroagogo.blogspot.com/
نبيل
http://drnobel.blogspot.com/
أدهم
http://adhamblog.blogspot.com/
على قرقر
http://photoshopkorkor.blogspot.com
/


الخميس، 10 أبريل 2008

خطاب لرئيس الجامعة... قصة قصيرة

السلام عليكم ، أعتذر وبشدة عن تأخرى الشديد فى الكتابة ، لكنها ظروف الامتحانات فى كليتنا الموقرة ، فكليتنا الحبيبة أشبه بمغناطيس قوى نظل نقترب من مجاله شيئا فشيئا منذ بداية العام الدراسة ، حتى إذا قدم شهر إبريل نكون بذلك قد دخلنا فى مجاله فمع اننا نراه بعيدا عنا ، الا اننا لا نشعر بأنفسنا الا ونحن نرتطم به ارتطاما شديدا جراء جذبه لنا ، فادعو لى بالتوفيق . جئت اليكم اليوم بقصة قصيرة أتمنى ان تعجبكم ، اترككم معها الآن .


خطاب لرئيس الجامعة


فى مكتبه بكلية طب الأسنان بجامعة طنطا ، جلس العميد منهمكا فى إمضاء بعض الاوراق ، كان واضحا على قسمات وجهه الانشغال الشديد ، لدرجة أنه رفض مقابلة أحد كبار أساتذة الكلية ، وطلب من سكرتيره أن يبلغه بإنشغاله الشديد وأن يعطيه موعدا ً فى أى يوم آخر ، وطلب منه ألا يدخل أحدا عليه على الإطلاق .
تقدم شاب بخطوات ثابتة نحو السكرتير ، مظهره يوحى بأنه فى العشرينيات من عمره ، كان يرتدى بذلة سوداء أنيقة تعطيه مظهر نجوم السينما
-" السلام عليكم"
-" عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلا أهلا دكتور حسام ، كيف حالك ؟" قالها السكرتير بترحيب شديد
- " بخير الحمد لله ، هل د. فؤاد بالداخل ؟"
- " نعم يا سيدى ، لكنه طلب منى ألا أدخل عليه أحدا ، ولكن أعتقد أنك استثناء، سأدخل إليه وأعلمه أنك بالخارج "
دخل السكرتير وخرج بعد أقل من نصف دقيقة
-" تفضل ياسيدى ، سيادة العميد بإنتظارك "
دخل حسام الى المكتب بخطوات هادئة ، وبمجرد أن رآه العميد تهللت أساريره ورحب به ترحيبا شديدا ثم طلب منه الجلوس ، وطلب من السكرتير أن يسأل حسام عما يريد أن يشربه ، فاعتذر حسام مبررا بأنه شرب كوبا من الشاى منذ أقل من ربع ساعة .
- "كيف حالك يا حسام ؟"
- "بخير والحمد لله ياعمى "
- "وما أخبار والدتك وأختك نورهان"
-" بخير ، لقد طلبوا منى أن أوصل سلامهم إليك"
- "سلمهم الله ، رحم الله والدك فقد كان أعز صديق عرفته فى حياتى" قالها بتنهيدة حارة
شرد حسام بتفكيره ، واسترجع بعضا من الذكريات الأليمة ، فوالده كان أشهر أستاذ فى الجامعة بأسرها ، وكان كل من فى الجامعة يحبونه ويعشقونه ، بل وامتد حبهم لحسام نفسه ، كان والده يمشى فى الجامعة كالملك ، وكان حسام يراوده أجمل الأحاسيس عندما يكون برفقته ويرى ترحيب الناس بهما وحبهما الصادق لوالده ، لم يصدق أحد حتى الآن أنه رحل بهذه البساطة ، سيارة طائشة صدمته أثناء عبوره الطريق ، كان مشهد جنازته مشهد مهيب ، لن ينساه حسام طوال حياته ، آلاف من البشر جاءوا ليودعوا الرجل الذى أحبهم وأحبوه.
-" حسام ، ما بك يا ولدى ؟!"
-"لا شيء ، لا شيء ياعمى فقد شرد ذهنى قليلا ، دعنا نتكلم فى المهم ، لقد جئت إليك اليوم لأطلب منك طلبا أتمنى أن توافق عليه ".
-" أطلب يا ولدى ، وإن شاء الله سأحققه لك إن كان فى مقدرتى"
-" أريد أن أتقدم باستقالتى من وظيفتى بالكلية "
وقع كلام حسام كالصاعقة على أذن العميد ، فآخر شيء كان يتوقعه أن يطلب حسام هذا الطلب ، فهو معيد فى القسم الذى كان والده يرؤسه قبل وفاته ، وكان تعيين حسام فى هذا القسم واحد من الأحلام التى كان يريد والده تحقيقها .
- "ماذا؟! هل تمزح ؟!"
- "لا يا عمى اننى لم أتكلم فى حياتى بهذه الجدية من قبل"
- "لكن لماذا ؟ أنت وانا نعلم ان هذا كان حلم والدك رحمه الله ، كيف وببساطة تريد هدم هذا الحلم ، هل هذا كان سيرضى والدك ؟!"
-" حسنا ياعمى ، ساخبرك بسبب قرارى هذا ، فاسمع منى عسى ان تقتنع ، بعد أن توفى والدى رحمه الله دخلت فى حالة كآبة شديدة ، وجلست فى غرفتى لعدة أيام لا أخرج منها ، وحاول كل أصدقائى ان يخرجونى من هذه الحالة لكن محاولاتهم باءت بالفشل ، لكننى بعد حوالى عشرة أيام سألت نفسى "هل سيعيد حزنى هذا والدى الى الحياة مرة أخرى ؟!" ووجدت عقلى يجيب " مستحيل " ، وأدركت أنه ان كنت أحب والدى بصدق فعلى ان أفعل شيئا ينفعه فى قبره لا أن أجلس واضعا يدى على خدى، أخذت أفكر وأفكر حتى هدانى تفكيرى الى أشياء كثيرة ، منها ان أبنى مسجدا له ، وأن أخرج صدقات له للفقراء ، وأشياء أخرى كثيرة ، لكننى فكرت أيضا فى شيء آخر مختلف تماما ، أمسكت ورقة وقلم وحاولت أن أسجل الأشياء السيئة التى فعلها والدى فى حياتى حتى أصلحها ان استطعت فأكون بذلك محوت عنه وزرا كان سيحاسب عليه ، وبعد طول تفكير لم أجد فى حياة والدى إلا شيئا واحدا ، وهو انه كان سبب تعيينى فى الكلية مع أنه كان هناك آخرون أحق منى بهذا التعيين ، صحيح أن والدى لم يتعمد ذلك ، لكن كل الاساتذة فى الكلية كانوا يعطونى الدرجات النهائية مجاملة لوالدى ، لذلك فقررت أن أستقيل من الوظيفة تاركا إياها لمن هو أحق منى بذلك ، لأكون بذلك قد قدمت لوالدى رحمه الله شيئا.
بمجرد أن أنهى حسام كلامه ، دخل العميد فى نوبة من البكاء الشديد ، ولم تفلح محاولات حسام فى تهدئته ، لكنه بعد دقائق هدأ قليلا واستجمع قواه ورباطة جأشه
- مابك يا عمى ؟!
-لا شيء ، لا شيء ياولدى ، لا تشغل بالك ، إطمأن سأنظر فى أمر استقالتك وأعطيك الجواب قريبا ، ولكنى فخور بك يا ولدى لانك فكرت بهذه الطريقة ، بارك الله فيك ، ووفقك الله الى كل خير ، وتغمد والدك برحماته ، وجميل عفوه وغفرانه .
شكره حسام وطلب منه أن يأذن له بالانصراف ، وانصرف .
فى اليوم التالى وصل خطاب الى مكتب رئيس الجامعة نصه :
" السيد الأستاذ الدكتور / رئيس جامعة طنطا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، تحية طيبة وبعد
فقد أرسل الله إلى بالأمس رجلا فى سن أبنائى إلا انه علمنى درسا لم يعملنى إياه والدى ، فقد قال لى كلمات أيقظتنى من سبات عميق، وأوضحت لى كثيرا من المعانى التى لم ألتفت إليها يوما ما ، لذلك فإنى أتقدم باستقالتى ، وارجو منك أن تقبلها ، لان هناك من هم أحق منى بهذا المنصب ، وكلانا يعلم أنه لولا علاقتى الشخصية بك ، ما وصلت مطلقا الى هذا المنصب الآن ، لكننى كنت أعمى ، وكنت أجرى لاهثا وراء سراب زائف ، ولم أضع فى حسبانى انى ساترك كل هذه المظاهر الزائفة والمناصب الخادعة ونعيم الدنيا الكاذب وسأحاسب وحدى فى قبرى ، فاللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام .
المرسل/
عميد كلية طب الأسنان
سابقا