الجمعة، 30 يناير 2009

مِـنْ هنا ... قصة قصيرة


أطفالٌ تبكى ، نساءٌ تنوح ، بيوتٌ مهدمة ، مساجد تحولت إلى أكوام تراب ، أوراق مصاحف تناثرت ، جثة طفلة تحتضن دميتها ، صوت صغير ٍيسال عن أمه ، صرخة أم تنظر الى جثث أطفالها ، دمعة رجل ٍيحتضن جثة زوجته ، وإحتضار مجاهد ٍيرفع سبابته ينطق الشهادتين لتخرج روحه الطاهرة إلى بارئها.
لم أعد أستطع تمالك نفسى ، فما رأيته حرَّض أعضاء جسدى على العصيان ، لم أعد أملك حق التوقف عن البكاء ، لم أعد أستطيع أن أقنع قلبى ان يتوقف عن حزنه قليلا ، لم أعد أملك حق التحكم فى نفسى
أمسكت بجهاز التحكم ، غيرت القناة وكأنى أوهم نفسى بأن المذبحة تتوقف عندما تختفى صورها من على شاشة التلفاز ، أحاول جاهدا أن أبحث عن شئ أشاهده ليُخَدِّرنى بُرهة ًمن الزمن .
خنزيرٌ يتوعد بالقضاء على كل المجاهدين ، خنزيرةٌ تقسم أنهم لا يطلقون نارا على مدنيين ، عميلٌ يلقى باللوم على أبناء وطنه ، متخاذلٌ ينصر العدو على إخوانه ، متآمرٌ تلطخت يده بدماء الأبرياء ، سفيهٌ لا يجيد إلا مصافحة العدو وطعن الصديق ، وأشباه بشر يجتمعون ، يبحثون ، يتشاورون ، يتحاورون ، يدرسون ، يؤجلون ثم يجتمعون ، ليكرروا مسرحيتهم .
لم تفلح محاولة التخدير بالتنقل بين القنوات ، فأغلقت التلفاز ، توجهت إلى غرفتى ، أو بالأحرى زنزانتى الانفرادية ، أغلقت المصباح ، ألقيت بجسدى على السرير ، أغمضت عينى ، أحلم بأنى ميت ، أحاول فتح عينى فتـُفتحُ معى ليتلاشى الحلم و أدرك أنى مازلت على قيد الحياة ، يا الله ، حتى متى هذه المذلة ؟! حتى متى هذا الهوان ؟! إلى متى ستنتهك حرماتنا ؟! إلى متى ستسفك دمائنا ؟! إلى متى سيهون حكامنا ؟! من أين سيأتى النصر ؟!!
أخذ السؤال الأخير يتردد فى عقلى ، الصوت عال ٍ، الدماء تتسارع ، العرق يهطل ، ألمٌ رهيب فى رأسى ، عقلى سيجن ، شرايين مخى توشك على الإنفجار ، دقات قلبى تزداد ، تزداد ، تزداد
"الله أكبر الله أكبر "
أتى صوت المؤذن كعناية إلهية أنقذتنى من على حافة الإنهيار ، قمت مسرعا ً، غادرت غرفتى ، وضعت رأسى تحت صنبور المياه محاولا ًتهدئة نفسى قليلا ، أنهيت الوضوء ، أبدلت ملابسى ، ونزلت الى الشارع ، كانت حركاتى كلها متسارعة حتى لا أعطى لنفسى المجال للتفكير ، لكن ظلت عبارة من أين سيأتى النصر لا تفارقنى .
فى الطريق إلى المسجد ، عيناى تذهبان يمنة ويسارا ترقبان كل من حولى ، شباب يشاهدون مباراة فى مقهى ، شبه فتاة ترتدى شبه حجاب تتمايل يمنة ويسرة وكأنها تقول لكل رجل فى الشارع "هيت لك " ، رجل يسُبُّ ويلعن ، سائقٌ متهورٌ كاد أن يدهس طفلا ، وجوه تعيش فى عالم آخر ، حتى أنى شككت فى أن تكون مياه الشرب التى يشربونها قد وضع فيها مخدر كان سببا فى هذه البلاهة التى تكتسى وجوههم .
تابعت خطواتى حتى قاربت على الوصول ، مجموعة من الأطفال يلعبون الكرة أمام المسجد ، كان صوتهم عاليا ، وكانت الحماسة تعتريهم حتى إنتابنى إحساس بأن هؤلاء الأطفال يلعبون المباراة النهائية فى كأس العالم ، كانوا يتبادلون الكرة فيما بينهم ، حتى وصلت الى طفل صغير ذى جسدٍ نحيل ٍوشعر ٍناعم ، ويبدو عليه أنه يصغرهم سنا ، منظره يوحى بأنه لم يتجاوز السابعة ، أرجع قدمه للخلف ، كان على وشك أن يسدد الكرة ، وفجأة ... علا صوت المؤذن ليقيم الصلاة ، وإذا بالطفل يُنزلُ قدمه على الأرض فى ردة فعل سريعة أشبه بآلة إنقطعت عنها الكهرباء فجأة ، أوقف اللعب ، أمسك الكرة و ... " شوط يا إبراهيم " ، تعالت صيحات رفقائه ، نظر إليهم نظرة حاسمة " لا ، يلا عشان الصلاة ، ونكمُّل بعد ما نصلى " ، صاح أحدهم " ياعم طب كمِّل لعب بس لحد ما الإقامة تخلص " ، كان رده قاطعا " الصلاة "، توجه بخطوات ثابتة نحو المسجد غير ملتفت إلى رفاقه ، وكأنه لا يريد لشيء أن يغير من مبدأه ، استسلم رفقائه أمام إصراره ، تبعوه إلى داخل المسجد.
أحسست بدمعة ساخنة تنساب على وجنتى ، وقلبى قد إقتنع ببعض هدنةٍ من الحزن ، صوت السؤال المتردد فى عقلى توقف ، و صوتٌ آخر قد أخذ مكانه ، فعقلى بكل قوة كان يردد " من هنا " .
تمت بحمد الله


هناك 20 تعليقًا:

غير معرف يقول...

بما اني انا اول تعليق فانا برضه مش لاقي كلام اقوله غير حسبنا الله ونعم الوكيل

غير معرف يقول...

السلام عليكم..
(من هنا) سمعتها مرتين منك ثانيهما.
و اولهما من رئيس وزراء اليابان بعد سحق هيروشيما وناكازاكي عندما وقف امام معمل للعلوم مهدم باحدى المدارس واشار اليه وقال تلك القولة.
فرق واضح بين من يعلم من اين يبدأ ومن لايعلم من اين فمن يعلم لا يحيده عن بدايته حاد ولا يزيغ بصره عن النهاية زائغ.
ابراهيم لم يهدده علو اصوات اصحابه عن ان يدع هدفه وبغيته علمني كيف يكون وضوح الرؤية وترتيب الاولويات وهكذا كل من يصنع النصر،لم تجبر الاصوات المتعالية الخائنة الخائفة حماس على ترك الرشاش وعلى الخضوع لقول كاذب او تهديد مزيف او حتى حقيقي ذلك لانهم اهل الحق واسد الرباط لا يضرهم من خاذلهم(وحسرة علينا ان كنا نحن) ويزيدهم اخلاص المخلص(رجب طيب اروغان على وجه التحديد) ثقة في وعيد الله تعالى.
ياليت كلنا حماس.
ياليت كلنا....
ابراهيم.

آلاء محى يقول...

من هنا البداية ان شاء الله

كلمات رااائعة

جزاكم الله خيرا

مجداوية يقول...

السلام عليكم


البقاء والدوام لله

أرجو المشاركة في ختم للقرآن الكريم يوهب ثوابها لأخينا محمد التفاصيل عند أختنا الكريمة نورأهاتي
وبرجاء نشرها بين أصدقائه
وجزاكم الله كل خير

Unknown يقول...

السلام عليكم ورحمة
الله تعالى وبركاته
(من هنا )اقتبسها منك ومن ضيوفك
لابدأ بها كلماتى لك واقول طول ما فى مثلك ومثل ابراهيم وغيرهم كثير وطول
ما بنحافظ على صلاتنا وقيامنا ودعائنا
فأن النصر قادم بأذن الله تعالى
فقط اطلب الصبر من الله والثبات
على الحق والمبدأ.احتراماتى اليك
والى شباب مثلك كثير يعطونى انا
شخصيا جرعة من الامل مضاعفة
حينما اقرأ او اسمع كلامهم .
اخى الكريم لك ان تقرأ
الجزء الرابع من القرآن
الكريم وأعلمنا إذا ما انتهيت
حتى يبدأ من تعهد بعدك بالجزء الخامس
مرة اخرى جزاك الله كل الخير واثابك على
حسن كلماتك وأقوالك ونفعنا الله واياك بها.

Abd Al-Rahman يقول...

عمر
مش عارف أقولك إيه ، بس حسبنا الله ونعم الوكيل ، هههه .
*********
محمد
حقا ياليتنا حماس ، وياليت رئيسنا أردوغان ...
اللهم ألطف بنا
تحيتى لتعليقك
*********
أختى آلاء
وجزاكم مثله ، ربنا يعزك ..

Abd Al-Rahman يقول...

مجداوية
جزاكم الله خيرا أختى ، وربنا يرحم الفقيد ويتقبله فى الفردوس الأعلى ، علم وتم التنفيذ أختى ..
دمتى بخير
********
norahaty
وجزاكم مثله أختى الفاضلة ، أنتم الأمل والبشرى ، تحيتى العميقة لحضرتك على إيجابياتك تجاه أخونا محمد رحمه الله ، وعدم إكتفائك بإبداء الحزن وما إلى ذلك ...
دمتى بألف خير

رابطة مدونون من أجل فلسطين يقول...

نتشرف بدعوة سيادتكم للانضمام لنا

رابطة مدونون من اجل فلسطين

http://bloggersforpalestine.blogspot.com/

إنسان || Human يقول...

نعم من هنا
لن تفيد تلك الدمعات ...هي مجرد وسيلة للتنفيس ومن ثم الراحة
ولا يحدث شئ ...أما الجديد
فإنه العمل
ذلك الأمل في الطفل الصغير أن نزرع داخله الجد والإجتهاد والعمل

اوعى تفكر يقول...

سبحان الله فعلا من هنا سوف يأتى النصر
كلمه اهتم بها رسولى الكريم
حينما هاجر واسس اول شئ المسجد
من هنا
كلما اهتم بها السلطان محمد الفاتح والب ارسلان وعماد الدين زنكى ونور الدين محمود وصلاح الدين
ففتح الله على ايديهم
من هنا
كلمه قالها حسن البنا عند تأسيس جماعة الاخوان
وكلمه قالهما الشيخ احمد ياسين عند تأسيس حماس
من هنا
كلمه قالها القائد المحررر للاقصى ........ ان شاء الله عند تحرير المسجد الكريم
من هنا
ترجع كرامة امه فقدت كرامتها ورجولتها منذ ازمان واجيال
وتحيه لكاتب الوضوووووووووع

قلمي يقول...

جزاك الله خيرا

رائعه بصدق

Abd Al-Rahman يقول...

Human
صدقت أخى ، فالدموع لن تقدم شيئا للقضية ، صحيح أنها دليل على معايشة القضية ، لكن إلم تتبع بعمل فلا قيمة لها ...
نورت المدونة أخى الكريم
************
أوعى تفكر
نعم أخى " من هنا " قالها كل العظماء من قبل ، وذلك لأن التاريخ يعيد نفسه سواء على صعيد الحق أو صعيد الباطل ، لذا فالتاريخ يعلمنا أن النصر حتما ولا بد أن يكون " من هنا "...
سعدت بتشريفك للمدونة
*************
قلمى
وجزيتم مثله ، ربنا يكرمك ، أزدت المدونة شرفا بمرورك ، أرجو دوام التواصل
*************

يقين النصر يقول...

جميلة جدا ...أدمعت عينى ..
سبحان الله لولا الأمل فى رحمة الله لمتنا من القهر من كل شئ ..
مرة من المرات كنت أمشى فى حالة من الضيق لا يعلمها الا الله ..
غزة ...مآسينا الخاصة والعامة ..
ووجدت طالبتى الصغيرة التى كنتأحفظها القرآن فى الصيف فى المسجد ..
ازيك يا مس ..
كنت أعدها أملا واليوم أعدها أملا ونورا ..
الفجر قادم باذن الله

آلاء محى يقول...

اتشرف باضافة مدونتى لدى قائمة مدونة حضرتك

غير معرف يقول...

الله ينور عليك يا عُبَد

Unknown يقول...

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ضع يدك الكريمه علي المصحف وقل من هنا نبدأ. أدي صلاتك في جماعه وقل من هنا نخطوا ...والي القدس نحبوا...
بارك الله فيك أخي الحبيب،،،

Abd Al-Rahman يقول...

يقين النصر
نعم أختى ، ان من نعم الله علينا أنه يرزقنا بعض البشريات المثبتات على الطريق ، لولاها لعشنا فى غم كبير
أسال الله نصرا قريبا...
شرفتى المدونة بمرورك الكريم
**********
آلاء محى
أكرمك الله ، الشرف لى
**********
م .محمد على طه
يا أهلا يا أهلا ، مرورك أسعدنى جدا ، أسال الله أن تكون بخير دائما
جزيت الجنة
**********
فركشاوى ناوى
يارب تكون ناوى على خير ،ههههه
صدقت فى كلامك أخى ، فقد مضى عصر الكلمات ، وحان وقت الانطلاقة .
أسال الله أن أكون أنا وأنت ممن يستعملهم الله فى نصرة دينه
آمين
نورت المدونة

إشراقة أون لاين يقول...

السلام عليك اخ عبد الرحمن اتشرف بزيارتى لمدونتك ويارب نتواصل دائماً ...الموضوع مهم جداً إن يثار على الساحة وخصوصاً بعد طبيعة مجريات الأحداث الأخيرة التى بينت ان الكلاب تعوى والقافلة ما زالت تسير...بورك قلمك..نتمنى تواصلكم

Abd Al-Rahman يقول...

إشراقة أون لاين
أكرمك ربى أخى ، أنرت المدونة بمرورك ، أعدك بزيارة مدونتك عن قريب ..
دمت بألف خير

محاولة لكسر الصمت يقول...

حقا من هنا يأتي النصر, ذاك الطفل قد جسد صورة الفطرة السليمة التي جبلنا عليها , ذاك الطفل لا يزال على فطرة الله وأتمنى أن يظل كذلك..