الخميس، 13 يناير 2011

ميلادى .. وبدعتى الحسنة

كان ولا زال وسيظل - بإذن الله - يوم ميلادى مختلفا عن باقى أيام السنة ، أعتبره يوم تقييم لما مضى ، وتقويم لما بقى ، لذا اجتهد كثيرا فى جعله ذكرى تعلق فى الذهن فتجعل ما عاهدت نفسى عليه حاضرا أمام عينى طوال السنة ، عامى المنصرم كان رائعا على أصعدة كثيرة ، تخرجت ، بدأت إمتيازى فى مكان راقى ، وأشياء اخرى جعلت من يوم ميلادى هذه المرة غير كل المرات، لذا كان لا بد أن أجتهد فى ترتيب برنامج يليق به ..

إقتربت ساعتى من منتصف الليل ومعها إقتربت بداية عامى الجديد فبدأت فى تنفيذ أولى الأشياء التى إستقر ذهنى عليها ، امسكت بهاتفى وبدأت فى الإتصال بأصدقائى الذين لم أهاتفهم منذ فترة ، وخاصة أصدقائى الذين فاجأونى فى يوم ميلادى الماضى بحفلة هى الأروع وهدية هى الأقيم ، ولم تكن مهاتفتى سوى محاولة منى لرد جزء من جميلهم ، وقد كانت جميع المكالمات طيبة ، إطمئننت فيها على أحوالهم وأخبار دراستهم ، وطمئنتهم جميعا على اخبارى ,,

بدأت رسائل المقربين تتوالى تباعا ، أبى ، أمى ، إخوتى ، والمقربين من أصدقائى ، كان لها أثر طيب على نفسى فالمسلم ألف يؤلف ويحب أن يكون كذلك

إنتهيت من المكالمات وتصفح الرسائل، فانتقلت إلى الخطوة التالية ، بدأت فى مشاهدة فيلم " " up in the air ، لجورج كلونى ، استمتعت كثيرا بمشاهدته ، فهو يحكى عن رجل طبيعة عمله تجعله يسافر 350 يوما فى السنة ، لذا فهو يعد السماء موطنه ، ويصبح هدفه فى الحياة ان يصل إلى 10ملايين كيلومتر من السفر وهو رقم لم يصل إليه سوى 6 أشخاص فى التاريخ ، وتتوالى أحداث الفيلم وتحدث له كثير من الأشياء التى تجعله يفكر عن أولوياته فى الحياة ، حتى يصل إلى اللحظة التى يحقق فيها رقمه القياسى ، لكنه لم يشعر بالسعادة على الإطلاق ، فقد أدرك أنه فوت أشياء جميلة فى الحياة مقابل السعى وراء رقم لاقيمة له .. قصة الفيلم جذابة جدا ، وتدفعك دفعا نحو التفكير فى قيمة الحياة ، وفقه الأولويات.. هكذا كان إستقبالى أنا للفيلم :) ، لست مسؤولا عن إستفادة الاخرين ، هههههههه

فرغت من الفيلم ، فقمت وصليت ركعتين – اللهم لا رياء :) – سألت الله فيهما أشياء كثر ، انتهيت من الصلاة فذهبت إلى النوم وقد أصبحت الساعة الثالثة والنصف صباحا ، لم أستيقظ للأسف على صوت منبه الفجر وكانت هذه نقطة اليوم السوداء الوحيدة ، استيقظت الساعة الثامنة ، صليت الصبح ثم توجهت إلى العمل ، كنت أول الحاضرين وأول من مضى حضور ، وللقدر كنت أيضا أول من مضى إنصراف ، وهذه سابقة لم أفعلها من قبل..

كان يوما ممتعا فى العمل ، بدأ بمكالمة من صديقى العزيز عادل ، قال لى فيها مفاجأة سارة أسعدتنى كثيرا ، وبالطبع أحتفظ بها لنفسى تنفيذا لرغبته فى إبقائها سرا ، جلست مع أصدقائى ، طلبت من كل واحد منهم أن يهدينى نصيحة ، يهمنى كثيرا أن أسمع نصائح الآخرين لى ، فهى ترينى زوايا أخرى لا أرها ، ولسلط الضوء على بعض الأشياء التى قد تكون خفية بالنسبة لى ، اتانى منهم بعض النصائح القيمة ، واخرى بالطبع قيلت على سبيل المزاح ، أحسست أن فكرة النصائح أخذت كثيرا من الوقت ، وبدأت فى مضايقة بعض أصدقائى ، فآثرت الإكتفاء بما رزقنى الله به ، وأنهيت الموضوع إحتراما لمشاعر الجالسين ممن قد لا يهمهم الأمر ،، أهدتنى إحدى الزميلات هدية قيمة جدا ، وهى عبارة عن باكو بسكويت لوكس من أبو نص جنيه ، :) ، لكن كلمة صديقى العزيز عماد دائما ما تتردد فى أذناي مع كل هدية " أنت تهدى إهتمامك " ..

إنتهيت من العمل وكما ذكرت سلفا كنت أول من مضى إنصراف ، نزلت إلى الشارع ، تركت له حق الإختيار فى المكان الذى يودنى أن أذهب إليه ، فانا دائما على ثقة بان ترتيب الله دوما هو الأفضل والأمتع ، أذن العصر فقررت أن أصليه فى مسجد من المساجد الأثرية عملاقة ، فكان إختيارى لجامع الأزهر الشريف ، سارعت الخطى ، وصلت فى حوالى ربع الساعة ، دخلت إلى قلعة الإسلام التى دوما كانت مركز عزتنا على مر العصور ، توضئت وصليت العصر ، ثم بدأت اتجول فى أنحاء الجامع ، أستمتع ببراعة البناء والنقوش والزخارف ، حاولت أن أقرأ الآيات المكتوبة على الجدران ، نجحت مرة وفشلت مرات J ، فالحروف متداخلة مكتوبة بلا نقاط ، لكنها بديعة الشكل ، خرجت إلى صحن الأزهر ، الأرضية المصنوعة من الرخام الأبيض الذى يعكس الصورة ،، الإتصال المباشر بالسماء بلا سقف يحول بيننا وبين منظر السحاب ، والمنبر الذى وقف عليه العمالقة من أجدادنا والذى اطلقت عليه من قبل خطب نارية كانت تقذف الرعب فى قلب كل محتل ،، وكثير من بنى آدم من كل جنس ولون يجمعهم دين واحد يجعل من كل الألوان لونا واحدا .. كل ذلك يلقى فى قلبك سكينة قلما تشعر بها ، جرب مرة أن تزور الأزهر ، وادع لى ..

خرجت بعد ساعة من الاستمتاع وعبرت الشارع متوجها إلى حي الحسين ، أخذت أتجول فى شوارعه الأثرية ، كثير من السائحون يشعرك أننا عبرنا الحدود بعبورنا الشارع J ، لم أقضى فترة طويلة فى التجول فانا لا تستهوينى أشكال الهدايا المنتشرة فى هذه المنطقة ، كما أنى لا أطيق أن أرى فنون النصب التى يحترفها المصريون فى تعاملهم مع بنى الأصفر J ، إنتهيت سريعا وذهب إلى مسجد الحسين ..

دخولى لمسجد الحسين ليس إلا لأرى أهل البلاء من السذج والحمقى ، فأحمد الله على نعمتى الفهم والإيمان ، فما يحدث فى مسجد الحسين لا يتحمله عقل ولا ترتاح له نفس عرفت معنى الإيمان وفهمت خطورة زيارة الأضرحة وكارثة الشرك التى يقع فيها كثير من هؤلاء ، نسأل الله العافية ، كان فاصلا كوميديا لا يتناسب مع قيمة سيدنا الحسين رضى الله عنه والذى أحبه حبا جما ، بعض من مشاهد الكوميديا كان منظر الزائرين وهم يقبلون باب الغرفة التى فيها المقام ويمسحون على الباب ثم على ملابسهم ، ماعلاقة باب الغرفة الخارجى بالبركة التى يدعون وجودها ، المشهد الثانى كان لأحد الزائرين ، يوزع على كل الجالسين " إستفندى " ومسئول المقام يقف بجواره ويصيح فى الناس " أوعى حد يرمى قشر على الأرض " ،، مساء العبط :)

تجولت فى المسجد ، أخذت أقرأ أبيات الشعر المكتوبة فى مدح الحسين ، و اللوحة التى فيها صور أثر قدم النبى صلى الله عليه وسلم وبعض مقتنياته وعباءته ، ثم لفت إنتباهى هرولة كثير من الناس فجأة إلى داخل المسجد بشكل يثير الريبة ، نظرت إلى خارج المسجد ، فإذا بالسماء تمطر ، يا الله ، كيف يترك هؤلاء متعة المشي تحت المطر ويسرعون للإختباء منه ، لم أكذب خبرا ، إرتديت حذائى مسرعا ، وخرجت إلى الساحة المقابلة للمسجد والتى تقع بين مسجد الحسين و جامع الأزهر ، لحظات هى الأمتع ، دائما ما تربطنى بالمطر علاقة حب رائعة ، أشعر أنه رسالة محبة من الله إلى أهل الأرض ، لذا استمتع بان أكون حاضرا لتلقى هذه الرسالة ، بدأت مظلات الحسين الشهيرة تفتح والتى تشبه مظلات الحرم النبوي فى لقطة نادرة قلما نشاهدها ، أعادت لى ذكريات العمرتين الرائعتين ..

توقف المطر وبدأت الشمس فى الغروب ، فتوجهت إلى محطة المترو والتى تبعد نصف ساعة تقريبا سيرا على الأقدام ، إستقليت المترو وانطلقت إلى وجهتى التالية ، وهى مكان من أفضل الأماكن فى القاهرة من وجهة نظرى ، شكلا ومضمونا هى من الأفضل بلا مجاملة ، يكفى أنها أصبحت مجتمعا لكل من يريد أن يستمتع بوقته بإستفادة ، بالطبع أتحدث عن "ساقية الصاوى " .. وصلت إلى الساقية ، صليت المغرب فى مسجد الزمالك المجاور لها ، تناولت وجبة خفيفة لاتمكن من المواصلة ، وشربت كوبا من النسكافيه ، أخذت كتيب برنامج الشهر ، سألت عن المكان الذى يقام فيه " معرض الفنون التشكيلية عن القدس " والذى اوصانى به أحد الأعزاء.. عرفت أنه فى قاعة النهر ، ذهبت إليه ، ولكم استمتعت بهذا المزيج بين الفن الراقى و القضية المقدسة ، كثير من اللوحات التى تعبر عن حال فلسطين و الأقصى ، وكثير من الفن الذى يبث فيك بعض الأمل فى أنه مازال هناك من يهتم ، وأن هناك من يسخر وقته وريشته ليخبرك أنه يحمل القضية معك .. يكفينى هذا

انتهيت من المعرض ، تصفحت برنامج الشهر ، لأرى برنامج اليوم ، فإذا بى على موعد مع مفاجاة ، صالون ثقافى مع د.يوسف زيدان فى تمام السابعة ، أى بعد نصف ساعة من إنتهائى من المعرض ، صديقى أوصانى كثيرا أن أحضر لد.يوسف ، لكن ظروفى دائما حالت دون ذلك ، ذهبت إلى مكان الجلوس المقام على النيل ، وجلست هناك نصف ساعة تأمل ، كثير من الأشياء فكرت فيها وأفضل بالطبع أن أحتفظ بها لنفسى ، " ماهو مش كل حاجة هتتقال يعنى " J ، أذن للعشاء ، فصليت فى نفس المسجد الذى صليت فيه المغرب ، ثم عاودت الدخول للساقية ، واخترت مكانا مناسبا وجلست ، وبدأ الصالون الثقافى والذين كان حول أديب إسمه " السهروردى " ،، كانت ندوة صادمة لى بشكل بشع ، تحدث فيه الدكتور عن بعض الأشياء التى جعلت من عقلى قطعة من الكبدة ، صلاح الدين الأيوبى كان سفاحا أباد كل الشيعة ، والتاريخ الذى نعرفه عنه كل تاريخ مفبرك كتبه أحد المؤرخين المعاصرين له مجاملة لصلاح الدين ، أحرق أكبر مكتبة فى مصر لأن حاشيته أخبرته أن بها كتب تروج لمذهب الشيعة ... إبن سينا كان عبقريا لكنه كان محبا للنساء له بعض الأفكار الإلحادية ، لذا هذا هو السبب الرئيسى فى أن كتبه موجودة فى أكبر الجامعات الأوروبية ، وليس للسبب الذى نفتخر نحن به ،، أنا لن أحكم على أحد بالسلب أو الإيجاب ، لكن هذه الندوة علمتنى الكثير ، وأقوى ماعلمتنى أن أستمع لكلام الآخر مهما تباعدت بين رأيانا المسافات ، وأن أتقبل كلامه مهما كانت درجة المخالفات ، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا النبى ، و عقلنا مصفاة يأخذ ما يتفق معه ويترك ما لا قبله ، وتبقى فى النهاية البحث عن الحقيقة هى الهدف الأسمى ..

إنتهيت من الوجبة الفلسفية الدسمة التى صدعت رأسى ، وغادرت الساقية متوجها إلى البيت ، ركبت المترو ، وصلت إلى المحطة التى من المفترض أن أنزل فيها ، لكن راودتنى فكرة أنى لم أجرب يوما أن أستقل المترو لأبعد من تلك المحطة ، فلم لا أفعل ذلك اليوم ولو لمحطة واحدة أكسر بها روتينية النزول فى نفس المحطة كل يوم وكأنها نهاية المطاف للمترو ، تجاوبت مع رغبتى ، وواصلت الركوب حتى وصلت إلى محطة المعادى ، أسمع كثيرا عن المعادى وكيف أنها منطقة من أرقى مناطق القاهرة ، لكنى لم أذهب إليها قط ، لذا كان تجولى فيها ممتع إلى حد كبير ، وهى بالفعل مكان راقى جدا ، أجمل مافيه أنه هادئ ، الأشجار فى كل مكان ، الشوارع ممهدة " مرصوفة يعنى " بشكل ممتاز ، و كثير من المطاعم الشهيرة و كافيه " سيلنترو " والذى قررت أن أذهب إليه بعد ذلك عندما أحب أن أخرج فى يوم ما ، تجولت فى المعادى قرابة الساعة والنصف ن ثم جاءتنى فكرة أن أذهب إلى كورنيش النيل لأتمشى عليه قليلا ، وبالفعل توجهت إليه ، وسرت عليه ماشاء الله لى أن أسير ، حتى أحسست بالتعب ، فقررت الرجوع إلى البيت لأنهى يومى ..

كانت الساعة الحادية عشرة تقريبا ، وصلت إلى البيت ، صعدت السلم ، فإذا جارى العزيز ا.إيهاب -هو وزوجته اصدقاء لأسرتنا ، وفى نفس الوقت جارى فى القاهرة – ينتظرنى على باب شقته وقد كان فى طريقه لللصعود إلى ، فاجأنى بطبق من "الجاتوه" ، و " كل عام وأنت بخير " ، أكثر ما أسعدنى هو عنصر المفاجأة ، فأنا لم أعرف كيف عرف تاريخ ميلادى ن لكنها لفتة طيبة جدا منه تعكس روح المودة التى بيننا وبينهم ، شكرته كثيرا وأخذت الهدية وصعدت بها إلى الشقة ..

دخلت الشقة فوجدت صديقى ورفيقى فى السكن د.يوسف نائما ، فأيقظته بعد كثير من التردد ، إعتذرت له عن الإزعاج وأخبرته أنى أبيت إلا أن يكون له جزء فى يوم ميلادى ، جلسنا نأكل سويا هدية جارنا ، ثم فاجأنى يوسف هو الآخر بهدية قيمة ، وهى عبارة عن قاموس وكتاب فى اللغة الانجليزية ، لأنه يعلم أننى مهتم الآن بتحسين اللغة ، إنه فقه الهدية J ...

دقت الساعة لتعلن عن نهاية اليوم الذى خرج فى صورة أجمل بكثير مما كنت أتصورها مسبقا ، لكنه ترتيب الله عز وجل وحده ، فله كل الفضل والمنة ، يبقى فى النهاية أن أشير إلى درس تعلمته هو الأكبر ، وهو أنى حتى اليوم الذى يسبق يوم ميلادى كانت معى النقود بوفرة ، لكن كثيرا من الأمور حدثت بشكل غريب بترتيب من الله أدت إلى مقاربة النقود معى على النفاذ ، لذا إحتفظت بالنقود التى سأتنقل بها والنقود التى سأرجع بها إلى البلد ، وعشت يوما من الأيام الممتعة ، لم أشعر فيه بمسألة النقود أصلا ، فكان الدرس الأكبر هو أن زيادة النقود أو نقصانها لا علاقة له أبدا بفكرة الإستمتاع ، إن كان هذا هو الدرس الوحيد الذى خرجت به من هذا اليوم – والدروس بفضل الله كثيرة – يكفينى حقا ..

الحمد لله الذى تكرم وتفضل على عبده ، فلم يخيب له رجاء ، ولم يرد له دعاء ، دبر له فأحسن التدبير ، وتفضل عليه بالكثير والكثير ، فاللهم لك الحمد كله والشكر كله ، اللهم إجعل مابقى خير مما مضى ، وإجعل ما مضى صالحا .. اللم آمين

طبتم بمتعة فى طاعة ...



** الصور كلها من تصويرى
** حرف ال J هو :) بس اتسخط تقريبا