الخميس، 10 أبريل 2008

خطاب لرئيس الجامعة... قصة قصيرة

السلام عليكم ، أعتذر وبشدة عن تأخرى الشديد فى الكتابة ، لكنها ظروف الامتحانات فى كليتنا الموقرة ، فكليتنا الحبيبة أشبه بمغناطيس قوى نظل نقترب من مجاله شيئا فشيئا منذ بداية العام الدراسة ، حتى إذا قدم شهر إبريل نكون بذلك قد دخلنا فى مجاله فمع اننا نراه بعيدا عنا ، الا اننا لا نشعر بأنفسنا الا ونحن نرتطم به ارتطاما شديدا جراء جذبه لنا ، فادعو لى بالتوفيق . جئت اليكم اليوم بقصة قصيرة أتمنى ان تعجبكم ، اترككم معها الآن .


خطاب لرئيس الجامعة


فى مكتبه بكلية طب الأسنان بجامعة طنطا ، جلس العميد منهمكا فى إمضاء بعض الاوراق ، كان واضحا على قسمات وجهه الانشغال الشديد ، لدرجة أنه رفض مقابلة أحد كبار أساتذة الكلية ، وطلب من سكرتيره أن يبلغه بإنشغاله الشديد وأن يعطيه موعدا ً فى أى يوم آخر ، وطلب منه ألا يدخل أحدا عليه على الإطلاق .
تقدم شاب بخطوات ثابتة نحو السكرتير ، مظهره يوحى بأنه فى العشرينيات من عمره ، كان يرتدى بذلة سوداء أنيقة تعطيه مظهر نجوم السينما
-" السلام عليكم"
-" عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلا أهلا دكتور حسام ، كيف حالك ؟" قالها السكرتير بترحيب شديد
- " بخير الحمد لله ، هل د. فؤاد بالداخل ؟"
- " نعم يا سيدى ، لكنه طلب منى ألا أدخل عليه أحدا ، ولكن أعتقد أنك استثناء، سأدخل إليه وأعلمه أنك بالخارج "
دخل السكرتير وخرج بعد أقل من نصف دقيقة
-" تفضل ياسيدى ، سيادة العميد بإنتظارك "
دخل حسام الى المكتب بخطوات هادئة ، وبمجرد أن رآه العميد تهللت أساريره ورحب به ترحيبا شديدا ثم طلب منه الجلوس ، وطلب من السكرتير أن يسأل حسام عما يريد أن يشربه ، فاعتذر حسام مبررا بأنه شرب كوبا من الشاى منذ أقل من ربع ساعة .
- "كيف حالك يا حسام ؟"
- "بخير والحمد لله ياعمى "
- "وما أخبار والدتك وأختك نورهان"
-" بخير ، لقد طلبوا منى أن أوصل سلامهم إليك"
- "سلمهم الله ، رحم الله والدك فقد كان أعز صديق عرفته فى حياتى" قالها بتنهيدة حارة
شرد حسام بتفكيره ، واسترجع بعضا من الذكريات الأليمة ، فوالده كان أشهر أستاذ فى الجامعة بأسرها ، وكان كل من فى الجامعة يحبونه ويعشقونه ، بل وامتد حبهم لحسام نفسه ، كان والده يمشى فى الجامعة كالملك ، وكان حسام يراوده أجمل الأحاسيس عندما يكون برفقته ويرى ترحيب الناس بهما وحبهما الصادق لوالده ، لم يصدق أحد حتى الآن أنه رحل بهذه البساطة ، سيارة طائشة صدمته أثناء عبوره الطريق ، كان مشهد جنازته مشهد مهيب ، لن ينساه حسام طوال حياته ، آلاف من البشر جاءوا ليودعوا الرجل الذى أحبهم وأحبوه.
-" حسام ، ما بك يا ولدى ؟!"
-"لا شيء ، لا شيء ياعمى فقد شرد ذهنى قليلا ، دعنا نتكلم فى المهم ، لقد جئت إليك اليوم لأطلب منك طلبا أتمنى أن توافق عليه ".
-" أطلب يا ولدى ، وإن شاء الله سأحققه لك إن كان فى مقدرتى"
-" أريد أن أتقدم باستقالتى من وظيفتى بالكلية "
وقع كلام حسام كالصاعقة على أذن العميد ، فآخر شيء كان يتوقعه أن يطلب حسام هذا الطلب ، فهو معيد فى القسم الذى كان والده يرؤسه قبل وفاته ، وكان تعيين حسام فى هذا القسم واحد من الأحلام التى كان يريد والده تحقيقها .
- "ماذا؟! هل تمزح ؟!"
- "لا يا عمى اننى لم أتكلم فى حياتى بهذه الجدية من قبل"
- "لكن لماذا ؟ أنت وانا نعلم ان هذا كان حلم والدك رحمه الله ، كيف وببساطة تريد هدم هذا الحلم ، هل هذا كان سيرضى والدك ؟!"
-" حسنا ياعمى ، ساخبرك بسبب قرارى هذا ، فاسمع منى عسى ان تقتنع ، بعد أن توفى والدى رحمه الله دخلت فى حالة كآبة شديدة ، وجلست فى غرفتى لعدة أيام لا أخرج منها ، وحاول كل أصدقائى ان يخرجونى من هذه الحالة لكن محاولاتهم باءت بالفشل ، لكننى بعد حوالى عشرة أيام سألت نفسى "هل سيعيد حزنى هذا والدى الى الحياة مرة أخرى ؟!" ووجدت عقلى يجيب " مستحيل " ، وأدركت أنه ان كنت أحب والدى بصدق فعلى ان أفعل شيئا ينفعه فى قبره لا أن أجلس واضعا يدى على خدى، أخذت أفكر وأفكر حتى هدانى تفكيرى الى أشياء كثيرة ، منها ان أبنى مسجدا له ، وأن أخرج صدقات له للفقراء ، وأشياء أخرى كثيرة ، لكننى فكرت أيضا فى شيء آخر مختلف تماما ، أمسكت ورقة وقلم وحاولت أن أسجل الأشياء السيئة التى فعلها والدى فى حياتى حتى أصلحها ان استطعت فأكون بذلك محوت عنه وزرا كان سيحاسب عليه ، وبعد طول تفكير لم أجد فى حياة والدى إلا شيئا واحدا ، وهو انه كان سبب تعيينى فى الكلية مع أنه كان هناك آخرون أحق منى بهذا التعيين ، صحيح أن والدى لم يتعمد ذلك ، لكن كل الاساتذة فى الكلية كانوا يعطونى الدرجات النهائية مجاملة لوالدى ، لذلك فقررت أن أستقيل من الوظيفة تاركا إياها لمن هو أحق منى بذلك ، لأكون بذلك قد قدمت لوالدى رحمه الله شيئا.
بمجرد أن أنهى حسام كلامه ، دخل العميد فى نوبة من البكاء الشديد ، ولم تفلح محاولات حسام فى تهدئته ، لكنه بعد دقائق هدأ قليلا واستجمع قواه ورباطة جأشه
- مابك يا عمى ؟!
-لا شيء ، لا شيء ياولدى ، لا تشغل بالك ، إطمأن سأنظر فى أمر استقالتك وأعطيك الجواب قريبا ، ولكنى فخور بك يا ولدى لانك فكرت بهذه الطريقة ، بارك الله فيك ، ووفقك الله الى كل خير ، وتغمد والدك برحماته ، وجميل عفوه وغفرانه .
شكره حسام وطلب منه أن يأذن له بالانصراف ، وانصرف .
فى اليوم التالى وصل خطاب الى مكتب رئيس الجامعة نصه :
" السيد الأستاذ الدكتور / رئيس جامعة طنطا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، تحية طيبة وبعد
فقد أرسل الله إلى بالأمس رجلا فى سن أبنائى إلا انه علمنى درسا لم يعملنى إياه والدى ، فقد قال لى كلمات أيقظتنى من سبات عميق، وأوضحت لى كثيرا من المعانى التى لم ألتفت إليها يوما ما ، لذلك فإنى أتقدم باستقالتى ، وارجو منك أن تقبلها ، لان هناك من هم أحق منى بهذا المنصب ، وكلانا يعلم أنه لولا علاقتى الشخصية بك ، ما وصلت مطلقا الى هذا المنصب الآن ، لكننى كنت أعمى ، وكنت أجرى لاهثا وراء سراب زائف ، ولم أضع فى حسبانى انى ساترك كل هذه المظاهر الزائفة والمناصب الخادعة ونعيم الدنيا الكاذب وسأحاسب وحدى فى قبرى ، فاللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام .
المرسل/
عميد كلية طب الأسنان
سابقا


هناك 12 تعليقًا:

Mero.. يقول...

قصة جميلة عزيزي عبد الرحمن..

لا أجد الكثير ﻷكتيه لذا سأكتفي بأن أبدي إعجابي ... :)

ميرو

Ali Korkor يقول...

جوز فقرية و الله ان كان حسام و لا العميد
هو حد لاقي شغل اليومين دول

تظل رغم دلك قصة رائعة يا عوبد

غير معرف يقول...

جميلة

Abd Al-Rahman يقول...

شكرا جزيلا ميرو ، إعجابك يعنى لى الكثير

Abd Al-Rahman يقول...

على باشا
يعجبنى جدا وجهة نطرك اللوجوستية للمواضيع ، وبعدين حد يطول ياعلى انه يقعد فاضى مابيعملش حاجة ،شغل ايه وكلام فاضى ايه ؟

Abd Al-Rahman يقول...

نبيل
شكرا

مدام كعبولة يقول...

القصة بالتأكيد اكثر من رائعة و لكن اتعلم لو ان هذا الضمير اصاب فقط نصف اساتذة الجامعة لأصبح واقع جامعاتنات افضل بكثير

أبو نزار عبد الرحمن الشرقاوى يقول...

الكلام دة ينطبق على عميد الكليه بس ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

Abd Al-Rahman يقول...

أختى الفاضلة "حياتى قنبلة ذرية"
شكرا على الاطراء ، وانا لا أتفق مع وجهة نظر حضرتك ، لانى أرى لو أن هذا الضمير أصاب أساتذة الجامعة فستخلو الجامعة من الاساتذة ....ههههههه
تحياتى

Abd Al-Rahman يقول...

اخى الفاضل أبو نزار
بداية نورت مدونتى المتواضعة واتمنى الا تكون تلك آخر زيارة
لم افهم سؤالك بوضوح ، لكنى اعتقد ان فى سؤالك نبرة تهكم على الواقعوفى هذه الحالة أجيب عليك بانى فكرت ان اكمل القصة باستقالة رئيس الجامعة ثم استقالة وزير التعليم العالى ثم استقالة رئيس الوزراء ثم استقالة رئيس الجمهورية لان كل هؤلاء لايستحقون المناصب التى يشغلونها ، لكنى اردت ان تكون القصة فى اطار التخيل لا الخيال ، فهناك احتمل بنسبة 1% أن يستقيل عميد الكلية اما الباقى فأعتقد انى هكون بستعبط لو جبت سيرة استقالتهم ...
جزاكم الله خيرا على مرورك
تحياتى

emad.algendy يقول...

عزيزي
قصتك فكرتها جميلة
نحتاج لكم استقالة في وطننا؟؟؟؟
تحياتي

Abd Al-Rahman يقول...

صديقى عماد
نحتاج الى الكثير والكثير ، والطريق مازال طويلا ، لكن سياتى يوم التغيير بإذن الله قريبا
أؤكد لك هذا