عم جابر رجل متوسط القامة ، ذو صوت أجش ، مظهره ليس بالجيد إطلاقا ، فقد عرفنا منه أنه صاحب ورشة ، باختصار رجل إذا شاهدته فى الشارع لن يلفت انتباهك إطلاقا ، وأعتقد أن انطباعى الاول عنه أنه رجل جاهل لا يستخدم عقله الا نادرا ، فعادة أصحاب الورش يحكمون مبدأ الذراع فى كل شيئ فى الحياة ، وأكد انطباعى هذا نبرة صوته التى يشوبها بعض الحشرجة ، وطريقة كلامه التى تشبه بعض الشيئ طريقة اللمبى ، لدرجة اننى كنت أكتم ضحكات كانت ترجونى ان أطلق لها العنان لتخرج ، واستمريت انا واصدقائى فى النظر لبعضنا البعض متحدثين بلغة العيون حتى لا نسبب لانفسنا المشاكل ، المهم ان ركاب السيارة بدأوا فى النزول فى الطريق الواحد تلو الآخر ، حتى أصبحنا نحن وعم جابر فقط فى السيارة ، وهنا بدأ الحوار بيننا وبينه ، وبدأ الانطباع الاولى يتغير شيئا فشيئا ، كانت بداية الحوار سؤاله لنا أين كنا؟ فأخبرناه عن قصتنا ، فأخبرنا أنه لديه أولاد فى مثل عمرنا وهم متعلمون ويذهبون الى الافراح أيضا ، أطلقت ضحكة قصيرة ، فأنا لا أفهم ماعلاقة التعليم بالذهاب الى الافراح ، المهم أننا تحدثنا فى حوارات كثيرة ، وفوجئت شخصيا بهذا الرجل وطريقة تفكيره ورؤيته لكل ما يحدث حولنا ، وفكره المنظم الراقى ، كلما طرحنا موضوعا وجدناه يحدثنا فيه ، أيا كانت نوعية هذا الموضوع ، صحيح ان طريقة كلامه كانت تفسد علينا بعضا من الاستمتاع بالحديث ، الا اننا مع الوقت تعودنا عليها ، استمرينا فى الحديث حتى وصلنا الى زفتى ونزلنا من السيارة ومشينا وعم جابر يرافقنا ، وهو لايكف عن الحديث ، وأخذ يحكى لنا بعضا من القصص التى حدثت معه أو مع أبنائه ، واستمر الحديث المشوق الى ان وصلنا الى بلدنا ، حينها اكتشفت ان طريق الرجل الى بيته هو نفس طريقى ، بينما طريق أصدقائى مختلف عنا ، فسلمت عليهم وودعتهم ، ومشيت أنا وعم جابر وحدنا ، وهنا بدأ يحدثنى عن الطريقة التى ربى بها أبنائه
يقول لى أنه عندما كان أبناؤه صغار كان يأخذهم فى الأجازة معه الورشة ، يعلمهم الصنعة ، ويقسو عليهم قسوة شديدة ، حتى يجعل الورشة أشبه بالجحيم بالنسبة اليهم ، سألته لكن لماذا ؟ قال لى لسببين ، السبب الاول هو انه عندما تبدأ الدراسة أقول لهم أيهما أفضل الدراسة أما ما ترونه فى الورشة ، فنجحت بذلك أن أحببهم فى الورقة والقلم لانهم كانوا يرونه أهون بكثير مما يواجهونه فى جحيم الأجازة ، السبب الثانى هو ان أعلمهم الصنعة حتى إذا تخرجوا من كلياتهم ولم يقدر الله لهم فرصة عمل فى مجالهم ، يكونوا أصحاب صنعة تغنيهم عن البطالة والسؤال ، الى ان ييسر الله لهم الحال ويجدوا عمل يناسب مجالهم
سألته إن كان قد نجح فى مخططه هذا ، فأخبرنى أنه لديه ابن مهندس وبنت محامية وابن تخرج من كلية الحاسبات والمعلومات ، وان ابنه المهندس لم يجد حتى الان فرصة عمل الا انه يعمل معه فى الورشة الى ان ييسر الله له .
ثم أخبرنى عن شيئ آخر فى تربيته لابنائه ، وهى أنه أخذ ابنائه الى النادى الرياضى ، وجعلهم يشاهدون كل الالعاب التى تلعب ويختاروا اللعبة التى يحبونها ، ثم يشترك لهم فى النادى ويجعلهم يمارسونها لانها هى الطريقة الوحيدة التى ستحميهم من التدخين والادمان والانحراف عموما ، وهو الان لديه ابن حاصل على بطولة الجمهورية فى الكونغ فو ، وأخذ جائزة أحسن لاعب فى مصر فى هذه اللعبة .
أما الشيء الثالث الذى أخبرنى إياه ، هوأنه كان حريصا على ان يصاحب ابنائه منذ صغرهم ، حتى أصبح صديقا لهم قبل أن يكون أبا لهم ، وهو يعرف كل أصدقائهم ، وعندما يقع أى من أبنائه فى مشكلة ، فإن أول من يخبرونه بها هو والدهم .
وحينها ، وصلت الى منزلى ، فاضطررت الى انهاء هذا الحديث الشيق ، وسلمت عليه مخبرا إياه بكم سعادتى بتعرفى عليه ،وصعدت الى البيت وانا أردد فى ذهنى
" إياك أن تحكم على أحد من مظهره ثانية "