الثلاثاء، 28 أكتوبر 2008

لا أريد



رأيته لأول مرة منذ عام ٍتقريبا ، لم يلفت انتباهى على الإطلاق ، شابٌ فى بداية الثلاثينيات من عمره ، يحمل دوما فى يده حقيبةً جلدية ، ومظهره يوحى لى أنه يعمل فى مهنة علمية ، كنت أراه يوميا عندما أستعد لدخول معركة الحصول على مقعدٍ فى المواصلات ، كان هو أيضاً من المشاركين فى هذه المعركة اليومية المتجددة ، فمابين ركض وراء السيارات و إستخدام جميع أنواع الفنون القتالية إبتداء من الكاراتيه وانتهاء عند المصارعة الحرة كنت ألمحه بين الضحايا ، لم أكترث كثيرا له ، لكنى فى يوم ٍمن الأيام وأنا سائرٌ فى أروقة الكلية إذا بى أراه أمامى ، لفت انتباهى على الفور ، وسألت نفسى ماذا يفعل هذا الرجل هنا؟! ، هل يُعقل أن يكون من أعضاء هيئة التدريس فى الكلية ، ضحكت من سخافة الفكرة ، فمظهره وهو يحارب فى الصباح كان كفيلا بأن يجعلها سخيفة ، مرت الأيام وأنا أراه دوما ، ولاحظت عليه أنه لا يتكلم إطلاقا ، وملامحه توحى بأنه شخص وديع هادئ طيب القلب ، فلم أره فى مرة من المرات يغضب أو يصيح أو يتشاجر ، فهو يجلس فى مقعده ينظر أمامه دونما التفات حتى نصل ، وددتُ كثيرا أن أتعرف إليه وأن أساله عن مهنته وأساله عما يفعله فى الكلية ، لكن شعور الإحراج طغى فوقف حائلا بينى وبين ذلك .
انتهى العام الماضى على خير بفضل الله ، ودخلت فى عام دراسى جديد ، وبدأت أتعرف على الأقسام الجديدة ، وعلمت من أصدقائى أن أسوأ قسم عندنا هذا العام هو قسم الجراحة ، فالمعيدين فيه يفتقدون أساليب اللياقة فى التعامل ، ويتعاملون مع الجميع بنظرة تعالى ، بل ومن السهل عليهم إيذاء أى أحد طالما أنه بذلك سيشعر بشخصيته ، بإختصار إنها عقدة النقص ، وكانت نصيحة كل أصدقائى الكبار أن أتحاشى اى إحتكاك من أى نوع مع أى معيد فى هذا القسم ، دخلت القسم فى بداية العام وقد قررت أن أعمل بنصيحتهم ، وعلى مضض تعرفنا على المعيدين وفعلا كانت كل كلمة قالها أصدقائى فى محلها تماما ، بدأنا أسبوع تلو الآخر نذهب الى سكشن الجراحة هذا وكأننا ذاهبون الى السجن ، تمر علينا ساعتا السكشن كانهما عامان ، ونشعر عندما ننتهى منهما بان هناك هم كبير قد إنزاح من فوقنا ، وفى يوم من الأيام وأنا فى عيادة الجراحة ، إذا بى ألمحه ، يا الله انه هو ، انه الرجل الوديع الطيب ، زميل الحرب اليومية ، ورفيق درب الضرب ، ماذا يفعل هنا ، سألت أحد زملائى ، فقال لى انه معيد فى قسم الجراحة ، شعرت بسعادة غامرة عندما علمت ذلك ، فلم أكن أتخيل أننى سأجد شخصا على خلق فى هذا القسم ، وتعجبت عندما استرجعت كلمات من يكبرنى ، وأيقنت أنهم لم يذكروا اى معيد بخير ، لم أشغل بالى كثيرا ، فقد قررت أن أتعرف عليه ، لكنى آثرت أن أتمهل قليلا ، حتى أتعرف عليه بطبيعية ويكون التعرف وليد موقف ، وليس تعرف مصطنع حتى لا يشعر بأنى أريد منه شيئا ، لأنى فعلا لا أريد منه أى شيئ ، انتظرت الى الاسبوع الذى يليه ، وذهبت الى السكشن فى موعده ، لكن قدر الله أن يحدث عندى تضارب فى المواعيد فاخطأت فى موعد السكشن ، وذهبت قبل الموعد بساعة ، فوجدت أنه موعد سكشن الفرقة الرابعة ، دخلت قبل أن يبدأ السكشن ووقفت أتحدث مع بعض أصدقائى حتى دخل المعيد العيادة ، إنه زميل الحرب ، سعدت لرؤيته ثانية وهممت أن أسال صديقى عنه لكنه قال عبارة نزلت على أذنى كأنها صاعقة " يييييييييييه , فلان الفلانى – إسم المعيد- خلى بالك ياعبد الرحمن الراجل ده أرخم واحد فى القسم ، وأكتر واحد مؤذى ، وأكتر واحد مكروه ، حتى العاملات بيكروه جدا ، ده أنا فى يوم بكلم معاهم فجت سيرته ، قالو لى أعوذ بالله فلان الفلانى – إسم المعيد – ده عمل حادثة قبل كده وكان هيموت فيها بس مابيتعظش "
أخذت أستمع إلى كلماته وأنا فى حالة ذهول أو بمصطلح أدق "إسبهلال" ، حاولت ان أقنع نفسى أنه يتكلم عن شخص آخر ، فأشرت إلي هذا المعيد وسالت صديقى إن كان هو من يقصده ،فأجابنى بالايجاب ، أخذت عدة دقائق حتى أستفيق من هذه الصدمة ، الا أن صديقى الآخر فى الفرقة الرابعة أيضا لكنه فى سكشن آخر ، أتى فقط ليسلم علينا فوجدته يقول " ياساتر ، فلان الفلانى هنا طب خلاص عايزين منى حاجة بقى أنا ماشى قبل ما يخنق عليا "
سلمت عليهم ومشيت وأنا فى حالة من الكآبة الشديدة ، كيف لهذا أن يحدث ؟! كيف لهذا الوجه الطيب الوديع أن يكون هكذا ؟! كيف خُدعت فيه بهذه الصورة ؟! كيف لهذا الرجل الذى لم ألتفت حتى اليه عندما رأيته فى المواصلات أول مرة أن يكون بهذا الجبروت ؟! كيف يستطيع هو أن يعيش هكذا ؟! كيف يستطيع أن يتنقل بمنتهى السهولة بين شخصيتين متناقضيتين ، شخصية الرجل المهمش الذى يحارب من أجل الحصول على مقعد فى سيارة أجرة وشخصية الديكتاتور الذى يتخيل أنه الآمر الناهى فى مكانه ؟!
لا أعرف إجابات لتلك الأسئلة لكن كل ما أعرفه الآن أننى لا أريد التعرف عليه أبدا .

هناك 14 تعليقًا:

Mero.. يقول...

يا صديقي الدنيا يامى هتورينا..
شكله كان هادي في المواصلات لانه خايف يعمل حادثة تاني..:) :)
او ممكن يكون طيب فعلا بس بيحسب ان الشدة في الشغل عملية وفعالة ..
ايا كان .. بينهيالي المفروض منحكمش على الناس من شكلهم..
ولو على الشكل فمعظم اللي بيشوفني مبيطقنيش "هو برضه مبيطقنيش بعد كدا بس بدرجة اقل هههه"
دمت بخير.. دمت مؤمنا

غير معرف يقول...

السلام عليكم

غير معرف يقول...

السلام عليكم يا عبد.انت عارف القصة دي او الموقف دة فكرني بايه بموقف عكسه تماما حصلك وكتبت عنه برده موقف عم رجب واللا جابر اللي كان معاكم في المركب الراجل شكله يخوف ويطلع ملبن في الاخر.
سنة الله عزوجل ان يرينا آياته في خلقه ويعلمنا ضعف بصيرتنا واننا مهما بلغنا مما اوتي بنو البشر من مبلغ لن نعلم ولن نفهم الا الذي اراد الله لنا ان نعلم ونفهم.
واقول لمن هو مثل هذا المعيد وهم كثر للأسف الشديد (افعل ما بدا لك بحق فان لم يكن بحق فكما تدين تدان).
تعيش وتاخد غيرها من مقالب الزمان.

جهاد خالد يقول...

مواقف كثيرة هي تلك التي تصادفني من هذا النوع
فأجد الواحد أو الوحد بهيئة وتصرف في مكان و هيئة أخرى وتصرف معاكس في مكان آخر
وغالبا ما يُصاحب اكتشاف الحقيقة بـ(اسبهلال) كهذا

حينها لنسأل الله العفو والعافية
و نتصارح مع ذواتنا لنحدد من نحن في كل مكان وزمان
:)


جزيت خيرا على الاسلوب السلس كالعادة

غير معرف يقول...

هو ممكن يكون طيب بس فى نظرة ان المعامله لازم تكون بالشدهاو بمعنى ادق لا مؤاخذة(بالجزمه) بس ده طبعا غلط الطريقه دى بتخلى الطلاب يكرهو الماده نفسها

بس يلا اهى ماشيه

غير معرف يقول...

سلامو عليكوووو.. ازيك يا عبدوووو
والله انا شايف من وجهه نظري انه بيفضل هادي كده علشان ده طبعه وما يحسش بالطريق وانه بيخنق علي الناس علشان هو فاكر انه لو فضل هادي هيقلوا ادبهم عليه وانه كده بيحكمهم
بس الي يعمل كده يبقي .......
الموهم صباح الخير بليل باه وفاكس

emad.algendy يقول...

اعتقد ان جميعنا يمتلك مئة قناع لمئة موقف
ذلك لا يعني اننا متناقضين او ثمة اضطراب
نحن فقط نتعامل بما يمليه علينا الموقف
نرتدي القناع المناسب للمواصلة ونرتدي القناع المناسب للكلية
"زي ما في ناس كتيرة اوي بتلبس قناع يخوف ويرعب مع صحابهم الغلابة...ماشي يا زعيم؟"
(:
دمت بخير

غير معرف يقول...

والله يا عبدالرحمن المفروض يكون القلب طيب والشكل يعني بس يكون الشكل بس لاااااااااااااااااااايبقي ياخذ لا مؤاخذة(بالجزمة)

Unknown يقول...

الشخصيات دي بنشوفهاكتيربالذات في كليات الطب

http://www.Med-fayoum.Com

.,

غير معرف يقول...

معذره انا كنت كتبت السلام عليكم لكن الرد متكتبش

سبحان الله كل يوم ربنا بيوصللي عن طريق الناس اني محكمش علي حد من خلال مظهره فقط.
علي قد ما الواحد اتصدم من اللي حضرتك قلته انه طلع كده في الاخر علي قد ما اتبسط انه فهم حكمه من حكم ربنا

بس ما ممكن يكون المعيد ده حازم في شغله بس وبره الشغل كويس جدا وانا بقول حاااااازم مش ظالم وممكن الطلاب لانهم واخدين الحياه تهريج شويه ممكن ممكن يكونوا مش عاجبهم الاسلوب ده..وممكن اوي يكون المعيد ده عنده مشكله نفسيه ولا ايه؟
ربنا يسترها معانا كلنا

راحــله يقول...

زيارتى الاولى لمدونتكم ولن تكون الاخيرة ان شاء الله ,,
كتاباتك تدل على تفكير عميق بكل موقف تمر به فى حياتك ,, جزاك الله خيرا على افادتنا بتجاربك
تحياتى

Abd Al-Rahman يقول...

ميرو
هههههههههه ، ماتقولش على نفسك كده ، أحيانا فى ناس بتحبك لما تشوفك ، هههه ، تحياتى صديقى
*********
غير معرف
عليكم السلام
*********
محمد
عندك حق فعلا ، ده مقلب من مقالب الزمان ، وكما ندين ندان
دمت بخير أخى
*********
النجمة الصامدة
أتفق معك ، وأزيد أنه أحيانا نكون نحن هذا الشخص ، لكن أن يمتد ضرر الشخصية ليؤذى الغير مثلما فى حالة هذا المعيد ، فهذا غير مقبول على الاطلاق.
جزاكم الله خيرا على الاطراء
دمتى صامدة
*********
عبد الله
ههههههههه ، بالجزمة ، واضح انك معبى فى قلبك كتير ، بس بينى وبينك انت معاك حق ...
تحياتى الحارة لكل اللى عندك

Abd Al-Rahman يقول...

عمر
كالعادة تعليقاتك لازم تكون على غير العادة ، يعنى ايه فاكس دى ؟؟ ههههه
************
عماد
هههههههههههههه ، الله يكرمك ، بص هو أنا لما ألبس قناع الشدو والبتنجان ده ، إيه الضرر اللى ممكن ييجى على اللى قدامى ، هيضايق شوية مثلا ؟! مفيش مشاكل ، لكن الفكرة انى لما يبقى فى ايدى سلطة على غيرى وانى استخدم السلطة دى استخدام خاطئ فأسبب إيذاء للناس اللى انا سلطتى عليهم ، ده مرفوض اطلاقا ، وده الفرق بينى وبين المعيد ، ههههههه ، ماكنت أعرف انك إسود أوى من جوه كده ناحيتى ... هههه
تحياتى صديقى
*********
عمرو
منور المدونة ، ومش عارف انا ايه حكاية الجزمة اللى معلقة معاكم دى ، ههههه
سلاماتى

Abd Al-Rahman يقول...

tania
فعلا الشخصيات دى موجودة فى الكليات العلمية عموما ، لأن سلطة المعيد فيها كبيرة ، تحياتى ، ومنور المدونة
*****
I love my lord
عادى مانا كتبت عليكم السلام ، ههههههه ، القضية مش قضية طلبة بتهرج أو معيد حازم ، القضية قضية معيد مهمش فى الشارع ، وظالم فى مكان عمله
تحياتى ، وسعيد بالتواصل بيننا
جزيت خيرا على المتابعة
********
راحلة
منورة المدونة يافندم ، وإن شاء الله يكون بيننا تواصل دائم ، جزيتى خيرا على التعليق
تحياتى