أطفالٌ تبكى ، نساءٌ تنوح ، بيوتٌ مهدمة ، مساجد تحولت إلى أكوام تراب ، أوراق مصاحف تناثرت ، جثة طفلة تحتضن دميتها ، صوت صغير ٍيسال عن أمه ، صرخة أم تنظر الى جثث أطفالها ، دمعة رجل ٍيحتضن جثة زوجته ، وإحتضار مجاهد ٍيرفع سبابته ينطق الشهادتين لتخرج روحه الطاهرة إلى بارئها.
لم أعد أستطع تمالك نفسى ، فما رأيته حرَّض أعضاء جسدى على العصيان ، لم أعد أملك حق التوقف عن البكاء ، لم أعد أستطيع أن أقنع قلبى ان يتوقف عن حزنه قليلا ، لم أعد أملك حق التحكم فى نفسى
أمسكت بجهاز التحكم ، غيرت القناة وكأنى أوهم نفسى بأن المذبحة تتوقف عندما تختفى صورها من على شاشة التلفاز ، أحاول جاهدا أن أبحث عن شئ أشاهده ليُخَدِّرنى بُرهة ًمن الزمن .
خنزيرٌ يتوعد بالقضاء على كل المجاهدين ، خنزيرةٌ تقسم أنهم لا يطلقون نارا على مدنيين ، عميلٌ يلقى باللوم على أبناء وطنه ، متخاذلٌ ينصر العدو على إخوانه ، متآمرٌ تلطخت يده بدماء الأبرياء ، سفيهٌ لا يجيد إلا مصافحة العدو وطعن الصديق ، وأشباه بشر يجتمعون ، يبحثون ، يتشاورون ، يتحاورون ، يدرسون ، يؤجلون ثم يجتمعون ، ليكرروا مسرحيتهم .
لم تفلح محاولة التخدير بالتنقل بين القنوات ، فأغلقت التلفاز ، توجهت إلى غرفتى ، أو بالأحرى زنزانتى الانفرادية ، أغلقت المصباح ، ألقيت بجسدى على السرير ، أغمضت عينى ، أحلم بأنى ميت ، أحاول فتح عينى فتـُفتحُ معى ليتلاشى الحلم و أدرك أنى مازلت على قيد الحياة ، يا الله ، حتى متى هذه المذلة ؟! حتى متى هذا الهوان ؟! إلى متى ستنتهك حرماتنا ؟! إلى متى ستسفك دمائنا ؟! إلى متى سيهون حكامنا ؟! من أين سيأتى النصر ؟!!
أخذ السؤال الأخير يتردد فى عقلى ، الصوت عال ٍ، الدماء تتسارع ، العرق يهطل ، ألمٌ رهيب فى رأسى ، عقلى سيجن ، شرايين مخى توشك على الإنفجار ، دقات قلبى تزداد ، تزداد ، تزداد
"الله أكبر الله أكبر "
أتى صوت المؤذن كعناية إلهية أنقذتنى من على حافة الإنهيار ، قمت مسرعا ً، غادرت غرفتى ، وضعت رأسى تحت صنبور المياه محاولا ًتهدئة نفسى قليلا ، أنهيت الوضوء ، أبدلت ملابسى ، ونزلت الى الشارع ، كانت حركاتى كلها متسارعة حتى لا أعطى لنفسى المجال للتفكير ، لكن ظلت عبارة من أين سيأتى النصر لا تفارقنى .
فى الطريق إلى المسجد ، عيناى تذهبان يمنة ويسارا ترقبان كل من حولى ، شباب يشاهدون مباراة فى مقهى ، شبه فتاة ترتدى شبه حجاب تتمايل يمنة ويسرة وكأنها تقول لكل رجل فى الشارع "هيت لك " ، رجل يسُبُّ ويلعن ، سائقٌ متهورٌ كاد أن يدهس طفلا ، وجوه تعيش فى عالم آخر ، حتى أنى شككت فى أن تكون مياه الشرب التى يشربونها قد وضع فيها مخدر كان سببا فى هذه البلاهة التى تكتسى وجوههم .
تابعت خطواتى حتى قاربت على الوصول ، مجموعة من الأطفال يلعبون الكرة أمام المسجد ، كان صوتهم عاليا ، وكانت الحماسة تعتريهم حتى إنتابنى إحساس بأن هؤلاء الأطفال يلعبون المباراة النهائية فى كأس العالم ، كانوا يتبادلون الكرة فيما بينهم ، حتى وصلت الى طفل صغير ذى جسدٍ نحيل ٍوشعر ٍناعم ، ويبدو عليه أنه يصغرهم سنا ، منظره يوحى بأنه لم يتجاوز السابعة ، أرجع قدمه للخلف ، كان على وشك أن يسدد الكرة ، وفجأة ... علا صوت المؤذن ليقيم الصلاة ، وإذا بالطفل يُنزلُ قدمه على الأرض فى ردة فعل سريعة أشبه بآلة إنقطعت عنها الكهرباء فجأة ، أوقف اللعب ، أمسك الكرة و ... " شوط يا إبراهيم " ، تعالت صيحات رفقائه ، نظر إليهم نظرة حاسمة " لا ، يلا عشان الصلاة ، ونكمُّل بعد ما نصلى " ، صاح أحدهم " ياعم طب كمِّل لعب بس لحد ما الإقامة تخلص " ، كان رده قاطعا " الصلاة "، توجه بخطوات ثابتة نحو المسجد غير ملتفت إلى رفاقه ، وكأنه لا يريد لشيء أن يغير من مبدأه ، استسلم رفقائه أمام إصراره ، تبعوه إلى داخل المسجد.
أحسست بدمعة ساخنة تنساب على وجنتى ، وقلبى قد إقتنع ببعض هدنةٍ من الحزن ، صوت السؤال المتردد فى عقلى توقف ، و صوتٌ آخر قد أخذ مكانه ، فعقلى بكل قوة كان يردد " من هنا " .
لم أعد أستطع تمالك نفسى ، فما رأيته حرَّض أعضاء جسدى على العصيان ، لم أعد أملك حق التوقف عن البكاء ، لم أعد أستطيع أن أقنع قلبى ان يتوقف عن حزنه قليلا ، لم أعد أملك حق التحكم فى نفسى
أمسكت بجهاز التحكم ، غيرت القناة وكأنى أوهم نفسى بأن المذبحة تتوقف عندما تختفى صورها من على شاشة التلفاز ، أحاول جاهدا أن أبحث عن شئ أشاهده ليُخَدِّرنى بُرهة ًمن الزمن .
خنزيرٌ يتوعد بالقضاء على كل المجاهدين ، خنزيرةٌ تقسم أنهم لا يطلقون نارا على مدنيين ، عميلٌ يلقى باللوم على أبناء وطنه ، متخاذلٌ ينصر العدو على إخوانه ، متآمرٌ تلطخت يده بدماء الأبرياء ، سفيهٌ لا يجيد إلا مصافحة العدو وطعن الصديق ، وأشباه بشر يجتمعون ، يبحثون ، يتشاورون ، يتحاورون ، يدرسون ، يؤجلون ثم يجتمعون ، ليكرروا مسرحيتهم .
لم تفلح محاولة التخدير بالتنقل بين القنوات ، فأغلقت التلفاز ، توجهت إلى غرفتى ، أو بالأحرى زنزانتى الانفرادية ، أغلقت المصباح ، ألقيت بجسدى على السرير ، أغمضت عينى ، أحلم بأنى ميت ، أحاول فتح عينى فتـُفتحُ معى ليتلاشى الحلم و أدرك أنى مازلت على قيد الحياة ، يا الله ، حتى متى هذه المذلة ؟! حتى متى هذا الهوان ؟! إلى متى ستنتهك حرماتنا ؟! إلى متى ستسفك دمائنا ؟! إلى متى سيهون حكامنا ؟! من أين سيأتى النصر ؟!!
أخذ السؤال الأخير يتردد فى عقلى ، الصوت عال ٍ، الدماء تتسارع ، العرق يهطل ، ألمٌ رهيب فى رأسى ، عقلى سيجن ، شرايين مخى توشك على الإنفجار ، دقات قلبى تزداد ، تزداد ، تزداد
"الله أكبر الله أكبر "
أتى صوت المؤذن كعناية إلهية أنقذتنى من على حافة الإنهيار ، قمت مسرعا ً، غادرت غرفتى ، وضعت رأسى تحت صنبور المياه محاولا ًتهدئة نفسى قليلا ، أنهيت الوضوء ، أبدلت ملابسى ، ونزلت الى الشارع ، كانت حركاتى كلها متسارعة حتى لا أعطى لنفسى المجال للتفكير ، لكن ظلت عبارة من أين سيأتى النصر لا تفارقنى .
فى الطريق إلى المسجد ، عيناى تذهبان يمنة ويسارا ترقبان كل من حولى ، شباب يشاهدون مباراة فى مقهى ، شبه فتاة ترتدى شبه حجاب تتمايل يمنة ويسرة وكأنها تقول لكل رجل فى الشارع "هيت لك " ، رجل يسُبُّ ويلعن ، سائقٌ متهورٌ كاد أن يدهس طفلا ، وجوه تعيش فى عالم آخر ، حتى أنى شككت فى أن تكون مياه الشرب التى يشربونها قد وضع فيها مخدر كان سببا فى هذه البلاهة التى تكتسى وجوههم .
تابعت خطواتى حتى قاربت على الوصول ، مجموعة من الأطفال يلعبون الكرة أمام المسجد ، كان صوتهم عاليا ، وكانت الحماسة تعتريهم حتى إنتابنى إحساس بأن هؤلاء الأطفال يلعبون المباراة النهائية فى كأس العالم ، كانوا يتبادلون الكرة فيما بينهم ، حتى وصلت الى طفل صغير ذى جسدٍ نحيل ٍوشعر ٍناعم ، ويبدو عليه أنه يصغرهم سنا ، منظره يوحى بأنه لم يتجاوز السابعة ، أرجع قدمه للخلف ، كان على وشك أن يسدد الكرة ، وفجأة ... علا صوت المؤذن ليقيم الصلاة ، وإذا بالطفل يُنزلُ قدمه على الأرض فى ردة فعل سريعة أشبه بآلة إنقطعت عنها الكهرباء فجأة ، أوقف اللعب ، أمسك الكرة و ... " شوط يا إبراهيم " ، تعالت صيحات رفقائه ، نظر إليهم نظرة حاسمة " لا ، يلا عشان الصلاة ، ونكمُّل بعد ما نصلى " ، صاح أحدهم " ياعم طب كمِّل لعب بس لحد ما الإقامة تخلص " ، كان رده قاطعا " الصلاة "، توجه بخطوات ثابتة نحو المسجد غير ملتفت إلى رفاقه ، وكأنه لا يريد لشيء أن يغير من مبدأه ، استسلم رفقائه أمام إصراره ، تبعوه إلى داخل المسجد.
أحسست بدمعة ساخنة تنساب على وجنتى ، وقلبى قد إقتنع ببعض هدنةٍ من الحزن ، صوت السؤال المتردد فى عقلى توقف ، و صوتٌ آخر قد أخذ مكانه ، فعقلى بكل قوة كان يردد " من هنا " .
تمت بحمد الله