منذ حوالى أسبوعين وعند عودتى من الكلية ركب معى فى الميكروباص 4 فتيات فى العشرينيات من عمرهن ، لم يلفتن انتباهى على الاطلاق فى البداية ،فأنا كنت فى حالة صحية ونفسية لاتسمح لى بأن أركز مع أحد أيا كان ، لكن بمجرد انطلاقنا حدث مالم أتوقعه ، فقد بدأت إحداهن بالتحدث معهن باللغة الانجليزية ، كتمت ضحكة كادت ان تخرج منى ، لكنى فوجئت أكثر عندما ردت عليها أخرى بالانجليزية أيضا ، ومن ثم اشتركت الفتاتان المتبقيتان معهما فى الحديث ، واستمر الحديث المشوق الذى كان سببا فى اصابتى بالصداع الشديد ، تخيل أنت معى ماذا سيكون شعورك عندما تجد نفسك مضطرا الى سماع فتيات مصريات – أعتقد أنهن من زفتى – يتحدثن باللغة الانجليزية ، بالطبع لا أقصد التقليل من شأن أهل زفتى لكنى فقط أريد أن أوضح ان هؤلاء الفتيات من بلدة تميل الى الريفية أكثر منها الى المدنية ، المهم اننى شعرت باختناق شديد ، حاولت النوم فلم أستطع ، حاولت انهاء وردى من القراءة فعجزت ، فسلمت أمرى لقدر الله واضطررت للجلوس بلا هدف ، فقط استمع الى مثرثرات لا يكفيهن ان الناس يكرهن الثرثرة ان كانت بالعربية ، فقرروا أن يثرثرن بالانجليزية ، وياليتها كانت انجليزية ، أعتقد أنها كانت لغة مستحدثة لانى سمعت كلمات شبيهة بعض الشيئ بالكلمات التى تعلمتها فى الكورسات ، لكنها بعيدة كل البعد عن كلمات الانجليزية ، المهم اننى استطعت فهم بعضا مما يقولون ، واسترعى انتباهى بشدة انهن كن يعتقدن ان كل من فى الميكروباص أميين لا يفقهون شيئا فى الانجليزية ، فبدأن فى التحدث عنا على أساس اننا لن نفهم مايقولون ، فواحدة تقول ان السائق سيلقى بهن من النافذة والاخرى تقول عنى انى متضايق من حديثهن فمن الافضل ان يصمتن ، كل هذا وانا أكتم فى نفسى ضحكة تكاد أن تفجر أمعائى الدقيقة والغليظة معا ، والجميل انهن بعد ان يقلن بعضا من أشباه الجمل يدخلن فى دوامة من الضحك المميت وكاننا جالسون فى المسرح القومى للعرائس ، ثم فوجئت بأن إحداهن تخبر الأخريات انها تتقن اللغة الفرنسية أيضا ، لم أستطع تمالك نفسى هذه المرة وخفت على أمعائى فأخرجت ضحكة عفوية حاولت أن أداريها بالتظاهر بالكحة تارة وإخفاء وجهى فى كتابى تارة أخرى ، بالطبع سبب ضحكتى هو أن هذه الشابة الخارقة التى سميتها سوبر مان لا تستطيع التحدث بالانجليزية أصلا فما بالك بالفرنسية ، المهم انهن دخلن فى كثير من المواضيع الشائكة والحيوية واغتبن بعضا من زملائهن على أساس أن الغيبة بالانجليزية لا تعد غيبة ، اقتربنا من الساعة الا الربع ويبقى الحال على ما هو عليه حتى وجدت الشاب الذى يجلس بجوارى والذى كان متأفف طوال الطريق يصيح فجأة وبعلو صوته:" على جنب يا أسطى " ، قالها الشاب بلهجة أشبه بلهجة جندى لا يصدق أنه نجا من معركة هزم فيها كل جيشه، أوقف السائق السيارة ونزل الشاب ، نظرت الى الشاب وهو فى طريقه الى بيته ولسان حالى يقول له يالحظك السعيد ، أخذت أدعو الله أن يقصر الطريق حتى لا أقدم على تصرف قد أندم عليه بعد ذلك ، لكن فرج الله اقترب ، وكما يقولون ان اول الغيث قطرة ، فقد انسحبت إحداهن من المحادثة معللة انها ملت من الحديث ، ثم قلدتها أخرى وانسحبت ، لكن ظل إثنتين منهما باقيتان على العهد، صامدتان على طريق تصديع رأسنا ، حتى اقتربنا من الوصول ، وهنا قالت الفتاة السوبر مان القشة التى قصمت ظهر البعير ، " نريد أن نفعل هذا كل يوم حتى نطور من لغتنا " ، أردت أن أصيح بأعلى صوتى " أبوس إيديكى ورجليكى كفاية " " والله العظيم حرمت " " حرام عليكى ده الظلم وحش " " ايه يا حاجة انتى ماعندكيش اخوات صغيرين" ...... أردت أن أقول لهن أشياء كثيرة لكننى آثرت السكوت ، فطالما اننى صمدت كل هذه المسافة ، لاداعى لان أخرج عن شعورى فى هذه الدقائق المعدودات ، " على جنب يا أسطى " قالتها إحداهن ، فتنفست الصعداء وأردت ان أسجد لله شكرا كما يفعل أبو تريكة عندما يحرز هدفا ، لكن المكان فى الميكروباص لم يسمح ، رأيتهن ينزلن واحدة تلو الأخرى وانا أنظر اليهن نظرة المظلوم لظالمه ، ولسان حالى يقول " أشوف فيكو يوم يا بعدة "
وبعد هذا الفاصل الكوميدى التراجيدى ، أنعم الله على ببعض الهدوء جعلنى أفكر فى الموقف كاملا ، وحزنت كثيرا ، لأنى توصلت الى اننا نفقد هويتنا شيئا فشيئا ، واننا أصبحنا نتفاخر بلغة أعدائنا ، انا لست ضد تعلم الانجليزية او التحدث بها ، لكننى ضد أن تكون هى وسام فخر لمتحدثها ، وان يصبح كل من أراد أن يصبح متحضرا أن يتحدث بها ، انا مع ان نتعلمها من باب " من تعلم لغة قوم أمن مكرهم " ، لكننى ضد أن تصبح مصطلحاتها هى الاكثر شيوعا بيننا ، ون تصبح أحرفها هى الاكثر استخداما ، لدرجة اننا نكتب العربية بحروف انجليزية ، انها حقا مهزلة ، بل انها كارثة .
علينا ان نؤمن بأن لغتنا هى هويتنا فإن فقدناها فقد فقدنا أنفسنا معها ، وإن فقدنا أنفسنا فالموت أهون لنا
فهلا أخوتى نحفظ هويتنا ، هلا نخلص أنفسنا من هذه العقدة اللعينة ... "عقدة الخواجة"
وبعد هذا الفاصل الكوميدى التراجيدى ، أنعم الله على ببعض الهدوء جعلنى أفكر فى الموقف كاملا ، وحزنت كثيرا ، لأنى توصلت الى اننا نفقد هويتنا شيئا فشيئا ، واننا أصبحنا نتفاخر بلغة أعدائنا ، انا لست ضد تعلم الانجليزية او التحدث بها ، لكننى ضد أن تكون هى وسام فخر لمتحدثها ، وان يصبح كل من أراد أن يصبح متحضرا أن يتحدث بها ، انا مع ان نتعلمها من باب " من تعلم لغة قوم أمن مكرهم " ، لكننى ضد أن تصبح مصطلحاتها هى الاكثر شيوعا بيننا ، ون تصبح أحرفها هى الاكثر استخداما ، لدرجة اننا نكتب العربية بحروف انجليزية ، انها حقا مهزلة ، بل انها كارثة .
علينا ان نؤمن بأن لغتنا هى هويتنا فإن فقدناها فقد فقدنا أنفسنا معها ، وإن فقدنا أنفسنا فالموت أهون لنا
فهلا أخوتى نحفظ هويتنا ، هلا نخلص أنفسنا من هذه العقدة اللعينة ... "عقدة الخواجة"