الأربعاء، 17 أغسطس 2011

فى اليقين بركة


إذا كنت ممن يتابعون كتاباتى منذ فترة ، فلعلك تذكر قصتى التى سميتها " من منا على حق " ، تلك القصة التى كتبتها منذ سنوات ،، والتى إخترعتها فى خيالى إختراعاً ،، ووصفت فيها حال الشاب المصري البائس الذى يرى الظلم فى كل شيء ،، وطيبة الأم التى تقنعه فى كل يوم أن الدنيا بخير وأن الأمر ليس أسودا بهذه الطريقة ، إلى أن يراه رجل مسن جالسا فى الحديقة يبكى ، فيذهب إليه ويواسيه ،، مما يجعل الشاب يقكر أن أمه على حق وأن الدنيا بخير طالما أن فيها رجلا مثل هذا ،، حتى يكتشف فجأة ان هذا الرجل ليس سوى لص جاء إليه ليسرق محفظته J
السبب فى ذكرى لهذه القصة هو أن الجزء الأخير منها تحول من خيال فى قصة ،، إلى موقف حقيقي عجيب حدث لى منذ أسبوعين تقريبا ..
كان يومى قبل الأخير فى عملى فى الأسكندرية ، فقررت أن أقوم بجولة فى المدينة الساحرة وأن أبيت في شوارعها إلى أن يطلع الصباح فأذهب إلى العمل وأودع الزملاء ثم أعود إلى بلدى ،، خطة كان عنوانها البساطة ، وبدأت بالفعل فى تنفيذها ، أنهيت العمل هذا اليوم ، فذهبت إلى المحطة وحجزت تذكرتى قطار ليوم غد ، ثم إنطلقت إلى البحر ،، كان الوقت أوشك على الغروب ،، فجلست على الصخور التى تشكل الساحل ، وبدأت فى تلاوة الأذكار ، والنظر إلى الشمس الغاربة حين تعانق البحر المهيب فى لوحة من إبداع البديع ،، الغروب فى الأسكندرية خيالى ،، انتهيت من الأذكار ، صليت المغرب و العشاء ،، ذهبت إلى مطعم " سورى " أعز الله أهلها وخذل ظالمها ،، انتهيت من الطعام ، خرجت أسير على الكورنيش ،، ووقفت كثيرا على كوبرى استانلى ،، ثم توجهت إلى " سان ستيفانو " ،، تجولت فيه سريعا ، ثم دخلت إلى " كوستا " ،، وجلست فيها ماشاء الله لى أن أجلس ،، حتى صارت الساعة الثانية صباحا تقريبا ،، خرجت فى جولة جديدة على الكورنيش ، وقررت أن أذهب إلى مسجدى المفضل " القائد ابراهيم " ،، وصلت قبل الفجر ، فتوضأت وصليت ركعتين ،، ثم أذن الفجر فصليت وخرجت ،، عبرت الشارع وجلست على السور المطل على البحر فى الجهة المقابلة للمسجد تماما ،، وهناك إعتبرت نفسى وكأننى فى البيت ،، فالشوارع خالية تماما من كل شيء ،، تمددت على السور ،، ووضعت حقيبتى تحت رأسى ،، وبدأت فى رحلة إسترخاء ممتعة على أنغام سيمفونية تجمع بين أمواج البحر و زقزقة العصافير التى تغدو باكرا ،، كان هناك صيادان يصطادان تحتى مباشرة ،، بدأت فى تلاوة أذكار الصباح فى إستمتاع شديد ،، وأنا أشهد اللحظة التى تنبت فيها الشمس فى السماء كما ينبت الزرع من الأرض ،، فتتلون السماء بألوان أخاذة تجبرك على أن تعلق نظرك بها دون إلتفات ،، لحظات تشعر فيها أن قلبك يغسل فيها بالثلج والماء والبرد ،، فيعود طفلا من جديد ،،
" أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق " ،، تلك الأذكار التى تعصمنا من كل سوء وتحفظنا من كل أذى ،، فنحن بها نصبح فى معية الله الحافظ ،، إنتهيت من الأذكار ،، وجلست أمتع نظرى بالبحر تارة وبالسماء تارة وبالطيور تارة ، وطلع الصباح ، وبدأت الحركة فى الشارع تزداد قليلا ،، وبينما أنا نائم على السور ،، أتى شاب يبدو عليه علامات الطيبة ،، وقف بعيدا قليلا ،، وأخذ يتابع الصيادين اللذين يجلسون تحتنا ،، ثم فجأة إلتفت لى و سألنى " هم بيطلعوا سمك ولا مابيطلعوش " ، اجبته باقتضاب " لا " ، بدأ فى حوار معى لا أذكر تفصيلاته ، فأنا كنت فى عالم آخر حقيقة ،، لكنى أذكر أنه قال " هوا الصبح ده مايتعوضش " ، كان الشاب كل فترة يقترب أكثر ،، فقلت فى نفسى ربما فى الأمر شيئا ،، فوضعت يدى على حقيبتى التى بها كل شيء ،، وتأكدت من النقود التى فى جيبى ،، لعل وعسى فى الأمر شيء ، لكن الشاب مظهره لا يوحي بأى شيء على الاطلاق ،، أخذ يثرثر كثيرا ، وينادى على الصياد ،ويتحدث معه ، ثم قال لى " بعد إذنك أنا همشى أنا بقى " ،، فقلت له تفضل ، وتابعته وهو يعبر الطريق حتى إختفى ، ثم فجأة تذكرت أن معى محفظة نسيت أن اطمإن عليها ،، لا تستغرب فأنا لا أضع فى المحفظة نقود ،، ياللغباء ،، ومن أين سيعرف اللص ذلك
J
وضعت يدى على جيبى ، وابتسمت إبتسامة بلهاء ،، سرقت المحفظة ،، قمت بحسرة شديدة على الوقت الممتع الذى قضيته فى التأمل ،، وحان وقت أفلام الأكشن ،، عبرت الشارع سريعا ، فى محاولة للحاق به ، لكنه كان قد إختفى ،، الشيء الوحيد الذى كان يسيطر على ذهنى ،، هو أنى أريد أن أشاهد هذا اللص وهو يفتح محفظتى ليجد فيها كارنيه ساقية الصاوى ، وكارنيه النادى ، وكارنيه مكتبة ديوان ، وبطاقة قاربت على الانتهاء ، ورخصة القيادة ، وتذكرتي قطار ، وبعض الصور الشخصية التى أبتسم فيها له ابتسامة أنا واثق أنها ستدفعه دفعا لأن يلقى بنفسه فى البحر ، بعد هذا المجهود الخرافى الذى بذله ، والساعة الكاملة التى وقفها بجوارى فقط ليسرق محفظة فيها هذه الكنوز ، ثم انتابنى خاطر آخر وهو انى قلت الأذكار ، فكيف حدث هذا ، ثم قلت لعله خير ، واتنابتنى سكينة عجيبة ، وقلت صحيح أنى " هاتسحل " ، لكى أستصدر بطاقة جديدة ورخصة جديدة ، لكنها خسارة لا تذكر ، توجهت إلى العمل ،، واستأذنت من مديرى فى ساعة اذهب فيها إلى قسم الشرطة لأعمل محضرا ،، وذهبت إلى القسم لأول مرة فى حياتى ، وكنت أرتدى بدلة عمليات وبالطو ، فإذا بالظابط فى القسم يقول لى " إتفضل أقعد استريح يادكتور " ، وإذا بالمحضر يصدر فى خمس دقائق تقريبا ،، وأنا فى ذهول من هذه المعاملة المحترمة التى جعلتنى أقول فى نفسى لأول مرة " ده إحنا عملنا ثورة بجد ياجدعان " ،، عدت إلى العمل ،، وودعت زملائى وأساتذتى ، وعدت إلى البلد " مواصلات " بعد أن كنت حاجزا مقعدين لى ولأخى عمر فى القطار المكيف ،، لكن التذكرتين كانتا فى المحفظة ،، استعوضت الله فى ضياع كل ما يثبت شخصيتى ، فمحفظتى سرقت فى الأسكندرية ، فبالطبع أصبحت فى خبر كان ، أصبحت أسير بجواز السفر ،، ولا أقود السيارة ،، وكلما أذكر ماحدث ،، اردد فى نفسى أنى طالما قلت الأذكار ، فماحدث لم يكن أذى بأى حال ،، انه حتما خير ،، يقين عجيب فى هذا كان يتملكنى ، فهون علي كثيرا سخافة الموقف ، ونسيت كل ما حدث تماما ..

بالأمس كنت عائدا من العمل ،، هممت بركوب المصعد فإذا بالبواب ينادى علي ويخبرنى أن هناك بريد من أجلى ،، فقلت " أخيرا بقى ليا معجبين ،، ياما انت كريم يارب " ،، أخذت البريد فإذا فيه الآتى :
مصلحة البريد ،، مكتب بريد ميت غمر ، قسم المفقودات ، السيد /عبدالرحمن خالد الديب ، نرجو من سيادتكم استلام المفقودات الخاصة بكم : بطاقة شخصية رقم .... ،، رخصة قيادة رقم ... ،، 3 كارنيهات شخصية
فسجدت لله شكرا ،، ليس على رجوع اشيائى وان كان شيئ يستوجب منى لله شكرا ،، إنما على نعمة اليقين التى أنعم الله بها علي لحظة الاختبار ،، فلم أشعر الا بالرضا ، ولم أجزع ، ولم أغضب ، ولم أسب وألعن ،، فقط سلمت ورضيت ،، أعتقد أنى نجحت بفضل الله

الآن بطاقتى ورخصتى وكارنيهاتى وسلطاتى وبابا غنوجى رجعولى ،،، وتقريبا الحرامى حب يحتفظ بصورى الشخصية ،، حلال عليه :))