الثلاثاء، 10 فبراير 2009

وعرفت السر ... قصة قصيرة



الساعة تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل ، تجلس أمى على الأريكة وعلامات قلق ٍترتسم على وجهها الملائكى ، تنظر بإرتقاب إلى عقارب الساعة ، عيناها لم تلتفتان عنها لحظة
"أمى ما بكِ ؟!"
إنتبَهَتْ إلى وجودى فخرجت عن شرودها ، تنهدت بهدوء
"لاشيء عزيزى ، أشعر بأن والدك قد تأخر قليلا "
" الساعة لا تزال الواحدة أمى ، لم يتأخر للدرجة التى تقلقنا بعد ، ولكن إن كنت قلقة عليه ، إتصلى به وطمإنى نفسك "
لم تنتظر أمى لأكمل كلامى ، فيدها إلتقطت سماعة الهاتف بمجرد أن نطقت بإسمه ، وكأنها كانت متأهبة ً لسماع هذه الكلمة ، بالتأكيد كانت تشاور عقلها بالاتصال به وانا أتحدث معها .
إتصلت به ، مرت بضع ثوانى حتى أتاها صوته ، أمى التى كانت تكاد أن تموت من القلق منذ لحيظات ، رسمت على وجهها ابتسامة عاشقةٍ تجلس مع معشوقها على شاطئ البحر لحظة الغروب
- حبيبتى
- حبيبى ، قلقت عليك ، أين أنت ؟
- انتهيت من العمل للتو ، أمامى خمس دقائق بإذن الله لأصل للبيت ، إطمئنى
- حسنا ، أنا فى إنتظارك ، أحبك ، فى أمان الله
أغلقت الهاتف ، قامت مسرعة ًإلى غرفتها ، وأغلقت عليها الباب ، بضع دقائق مرت ، دقَّ جرس المنزل أعقبه صوت فتح أبى لباب الشقة مقترنا ًبصوت فتح أمى لباب غرفتها ، أسرعت إلى الباب تستقبله ، وقد تزينت وارتدت ثوبا أنيقا زادها جمالا على جمالها ، تبادلا إبتسامة ًرقيقة ، طبع كلٌ منهما قبلة ًسريعة ًعلى وجنة الآخر ، نظرت الي يده التى يخفيها وراء ظهره وكأنها طفلة تنتظر الحلوى من والدها ، تبسَّم لها بسمة مداعبةٍ و أعطاها الوردة التى إعتاد أن يحضرها لها كل يوم ، ابتسمت فى سعادة وأمسكت بيده وجلسا على الأريكة :
- حمدا لله على سلامتك ، ياالله ، تبدو مرهقا
- نعم كان يوما عصيبا ، لكنى نسيت كل همى عندما رأيتك
- أنت تنسى همك عندما ترانى ، أما أنا فأنسى نفسى عندما أراك
- هههه ، أعلم أنى لن أستطيع مجاراتك ، ما أجمل أن تكون زوجتك أديبة مفوهة
- حبيبى ، أنت من تكتب لى كل يوم بأفعالك أروع قصيدة
- وأنتِ أجمل قصيدة قرأتها فى حياتى ، طمإنينيى ، كيف كان يومك ؟
- الحمد لله بخير
- وكيف حال الأولاد ؟ .....
ظلا يتحاوران ، كنت أراهما كشخص واحد له جسدان ، كنت أشاهد قصة حبٍ تضاهى فى روعتها أساطير الأدب الرومانسية ، عشرون عاما مضوا على زواجهما ، وكأنى أشعر أن اليوم هو يوم زفافهما ، أنظر إلى عينيهما عندما يلتقيان فأرى حكاية عشق ٍزادها الزمان جمالا ، أراهما عندما يجلسان سويا ينسيان كل ماحولهما ، فيصبحان كعصفورين يجلسان فى عشهما على غصن شجرة فى جزيرة نائية فى عرض البحر .
أردت كثيرا أن أعرف سر هذا العشق ، كيف يجعلان من الزمان ماءا ًيرويان به شجرة حبهما ، فكلما مر الزمان بهما ، كلما نمت الشجرة وتشعبت فى الأرض جذورها ، ليتنى أعرف السر .
مرت الأيام وعقلى منشغل بهذا السر ، حتى أتت ليلة قمت فيها من نومى قبل موعد إستيقاظى ، كان الظلام حالكا ، و صوت التواشيح الذى ينبعث من مسجد بعيد عن بيتنا أعلمنى أن الفجر لم يؤذن بعد ، تحسست الطريق الى باب غرفتى ، فتحت الباب بهدوء حتى لا أوقظ من فى البيت ، انتبهت إلى أن هناك ضوء خافت ينبعث من غرفة المعيشة ، ربما قد نسيه أحد إخوتى مفتوحا ، ذهبت لأطفئه ، إقتربت من الباب ، ههمت بالدخول ، لكنى تسمَّرت فى مكانى ، فقد سمعت صوتا ًيأتى من داخل الغرفة ، إنه صوت أبى ، حاولت ألا أصدر أى صوت كيلا أفزعه ، مددت رأسى إلى داخل الغرفة لأرى مايحدث ، ياالله ، أبى يؤم أمى بركعتى قيام ، مشهد لن أنساه ماحييت ، أبى يتضرع إلى الله بالدعاء وأمى تؤمِّن على دعائه
" اللهم بارك لى في حبيبتى ، اللهم بارك لها فى ، اللهم إجعلنى لحبيبتى نعم الزوج ، وإجعلها لى نعم الزوجة ، اللهم كما جمعتنا فى الدنيا على طاعتك إجمعنا فى الآخرة فى جنتك ، اللهم ألف بين قلبينا ، اللهم بارك لنا فى أولادنا وإجعلهم سببا فى نصرة دينك ...."
أبى يبكى وهو يدعو ، أمى تبكى وهى تؤمِّن ، وأنا أبكى وأنا أشاهدهما
الآن اتضحت لى الرؤيا ، وانكشف الستار عن آخر خيوط اللغز
"الآن عرفت السر"
تمت بحمد الله